انتخاباتهم وانتخاباتنا !

انتخاباتهم وانتخاباتنا !
الرابط المختصر

ناخبنا يذهب إلى صندوق الاقتراع "متأبطا شرا" لتفريغ أحقاده وإهدار حقوق الآخرين .

انتهت انتخابات الرئاسة الامريكية بفوز ساحق للرئيس الديمقراطي بارك اوباما على منافسه الجمهوري مت رومني وخلال ساعات الصباح الاولى خرج الخاسر الى الرأي العام الامريكي مقرا بخسارته ومهنئا الشعب الامريكي والرئيس المنتخب ومتعهدا بالصلاة من اجل ان ينجح غريمه في مهمته لخدمة امريكا، ولم يقل رومني خلاف ذلك سوى انه كان يعتقد ان زوجته كان يمكن ان تكون "سيدة اولى ناجحه"، وخرج بعد هذا من كل الحياة السياسية.

لقد انطلقت الانتخابات الامريكية منذ سنة ونصف السنة لم نسمع خلالها سوى الاخبار عن جمع التبرعات التي زادت على ثلاثة مليارات دولار والحملات والمناظرات والجولات الانتخابية واستطلاعات الرأي وامس اعلنت النتيجة بكل هدوء وعاد كل إلى عمله وبيته من دون ان نسمع تشكيكا بالانتخابات او بالهيئة المشرفة او حتى بقانون الانتخابات الامريكية الغريب وغير العادل، ولم نر احدا من الناخبين المتحمسين للخاسر او للرابح يخرج الى الشوارع لحرق الاطارات او للتشحيط او التزمير قرب مقر حملة الخصم.

ماذا كان الحال عندنا في مثل يوم امس الامريكي او ما يسبقه من دعاية انتخابية لو افترضنا جدلا انه يوازي الانتخابات النيابية المقرر اجراؤها في النصف الثاني من كانون الثاني المقبل، لن نسمع سوى التشكيك في عقد الانتخابات في موعدها ، ولن نسمع سوى ترداد مصطلح "المال السياسي" والتحذير من شراء الذمم، والتشكيك في النزاهة وكذك الشكوى من الخيانة وعدم الالتزام يرافق ذلك ارتفاع اسعار اللحوم والمناسف والكنافة واجرة الصيوانات والكراسي.

لن نصل الى يوم الاقتراع كمرشحين او انصار او ناخبين محايدين الا منهكين من كثرة الزيارات العائلية وتبويس اللحى، يرافق ذلك تخمة في اكل المناسف وارتفاع في مستوى الكولسترول والجاهات والرضوات وحتى الهوشات والمناوشات والزعل على الاقارب والجيران نتيجة تمزيق اللافتات او الاخلال بالوعود.

ناهيك عن التشكيك في قوة الخصم وسوء اخلاقه و ميوعة مواصفاته واطلاق الحملات الجارحة ضده، واذا باع احدهم بطاقات عائلته الانتخابية الى احد المرشحين وقبل ثمنها سلفا، فانه يذهب الى الجهات المتخصصة لتقديم بلاغ بان المرشح الفلاني او احد انصاره يحتجز بطاقات العائلة ويمنعها من ممارسة حقها الدستوري، وكأن البطاقات ذهبت الى هناك وحدها.

اعرف ان المرشحين في الانتخابات الامريكية او الاوروبية يصرفون مئات الملايين واكثر على حملاتهم ، لكنهم لا يصرفون قرشا واحدا الا تحت رقابة لجان رسمية متخصصة، ولن يصرفوا شيئا على الاكل والمشرب او البراطيل او شراء الاصوات، ويمكن ان تصرف حملة مرشح امريكي كثمن بالونات ملونة اكثر مما يخصص لمجمل ما يصرف على مجمل العملية الانتخابية في بلد عربي.

واذا خسر مرشح اردني في الانتخابات، فان حملات التشكيك في قانون الانتخاب ستنطلق يرافقها حملات التشكيك نزاهة الجهات المشرفة وسنسمع عن اعتصامات امام دار المحافظة او مجلس النواب وتقديم الطعون، اما الفائز فان اقربائه وانصاره سيحتفلون في الشارع حتى الصباح تحت وابلا من الرصاص والسماعات والدبكات، وقد يذهب نفر منهم بسياراتهم وبكباتهم للتشحيط والتفعيط والتزمير في حارة المنافس الخاسر.

للاسف اين نحن منهم؟ اين انتخاباتنا من انتخاباتهم؟ اين تصرفاتنا من تصرفاتهم في كلتا الحالتين؟

في العالم المتحضر، يذهب الناخب الى صندوق الاقتراع ملوحا بعلم بلاده وبمعيته زوجته واطفاله، ليمارسوا الديمقراطية و ليتعلم الصغير من الكبير، يذهبوا جمعيا من اجل الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم ومن اجل انتخاب شخص مؤهل لتفويضه بكل ذلك ، اما نحن العرب فإن الناخب يذهب الى صندوق الاقتراع "متأبطا شرا" نذهب للاسف لتفريغ احقادنا وللدفاع عن عشائرنا وطوائفنا وحاراتنا، نذهب وفي اذهاننا ان يوم الاقتراع فرصة سانحة لقهر الاخرين وكسر اراداتهم وتبديد حقوقهم، وبعضهم لا يتوانى عن الترشح والخسارة المادية من اجل كسر خشم ابن عمه او جاره.

العرب اليوم