(انا شاب ... انا سأشارك)
لماذا نطلب من الشباب ان يفعلوا ما عجزت عنه الحكومات?
"لا يوجد نظام انتخابي على وجه الارض قد يوصف بالكامل" يقول وزير التعليم العالي الدكتور وليد المعاني في كلمة خلال الاحتفال باطلاق حملة وطنية لحث الشباب على المشاركة في الانتخابات النيابية بعنوان "انا شاب .. انا سأشارك".
ما اشار اليه الوزير صحيح من الناحية البدهية وفي دول ديمقراطية كثيرة توجد لجان دائمة تمثل مختلف الاحزاب السياسية مهمتها مراجعة النظام الانتخابي بعد كل عملية انتخابية لمعالجة الثغرات وتطوير القانون وفق حاجات المجتمع وتطلعاته. والهدف الاستراتيجي من وراء ذلك هو المحافظة على حالة التوافق الوطني حول قانون الانتخاب. يظل قول الوزير عن استحالة وجود نظام كامل الاوصاف صحيحا.
لكن هناك انظمة انتخابية يظل التمسك بها كفيلا باحباط كل محاولات التقدم للأمام, وانظمة اخرى تحط من قدرة الشعوب على مغادرة البنى التقليدية وتعيد بناء الهويات البدائية في قوالب شكلية حديثة.
ثمة من يريد اليوم ان يُحَمّل الشباب - اكثر من 70 بالمئة من المجتمع - المسؤولية عن تركيبة مجلس النواب المقبل. غير ان هؤلاء نسوا في غمرة العمل من اجل رفع نسبة المشاركة في الاقتراع ان السنوات القليلة الماضية شهدت ذروة العنف الشبابي في الجامعات والمدارس والحارات, وكان ذلك محصلة سياسات رسمية دفعت قطاعات واسعة من الشباب الى التحصن خلف الهوية العشائرية والجهوية والاقليمية. فاذا بالقوة المنوط بها التغيير تريد من ينتشلها من ازمة الهوية والدور. وزاد من حجم المأساة قانون انتخاب يفرض على الشباب و"الشياب" التزام دواوين العشائر والروابط والاحياء. ووسط هذا المشهد البائس نأتي ونطلب من الشباب المشاركة في الانتخابات واختيار الاكفأ وتجاوز الروابط التقليدية القائمة.
لكن من حق كل شاب ان يسأل: اذا كانت الدولة نفسها عجزت عن تجاوز تلك الروابط وهي تسن قانون الانتخاب, فلماذا تطلب من الافراد ان يقفزوا عليها يوم الاقتراع?
والسؤال الثاني: هل يترك قانون الانتخاب ونظام تقسيم الدوائر المركب فرصة امام المواطن للاختيار حسب الكفاءة?
والسؤال الثالث:كيف للمواطن ان يجد المرشح الكفؤ والمقدام وسط اكثر من850 مرشحا لم يسبق لثلثيهم ان شاركوا في نشاط عام?
لست في وارد الدعوة الى مقاطعة الانتخابات, فذلك شأن يخص الاحزاب, لكن اخشى مع الكثيرين من النتائج المترتبة على دعوة الشباب للانخراط في العملية الانتخابية, لان ما نشهده في الحملات الانتخابية التي انطلقت منذ ايام يبعث على الاسى, فكل ما نسمعه خطابات انتخابية تمجد العشائرية والجهوية وتزرع الافكار الاقليمية والعنصرية, وبعضها تحريض مكشوف على الحرب الاهلية. وعند الطرف الاخر من المرشحين لا تسمع غير صفقات بيع وشراء الاصوات وتوزيع الهدايا الانتخابية على المنازل, وبالمناسبة فان من يتولى كل تلك المهمات هم شباب في مقبل العمر استجابوا لدعوة "انا شاب .. انا ساشارك".
انصح الحكومة ان لا "تشد" كثيرا على موضوع مشاركة الشباب لانهم ان شاركوا وانخرطوا في العملية فسيخرجون من التجربة اكثر احباطا وجهلا.
العرب اليوم