الهيئة المستقلة
ثمة شعور بالارتياح لوجود وأداء الهيئة المستقلة للانتخاب، لا يعكر صفوه سوى ذكريات الانتخابات السابقة، التي شابها كثير من التدخل والتزوير، لكن معظم من تلتقيهم من المواطنين، وقد أتيح لكاتب هذه السطور بالمئات منهم خلال الأسابيع القليلة الفائتة في سلسلة من الندوات وورش العمل، يرون أن وجود الهيئة والأدوار التي قامت بها حتى الآن، تترك انطباعاً ايجابياً لدى عموم المواطنين، ناخبين ومرشحين.
لكن الهيئة كما هو معروف، تعمل في ظروف غير مواتية تماماً، لكأن «سوء الطالع» أصر على مرافقتها منذ نشأتها، فهي تشرف على انتخابات «اشكالية»، ستجري في ظل مقاطعة طيف واسع من القوى السياسية والحزبية والشخصيات الوطنية، فضلاَ عن أنها تعمل في ظل قانون للانتخاب ألقى وسيلقي بظلال كثيفة وكئيبة على سير العملية الانتخابية والنتائج المتربتة عليها، كما أن «عامل الوقت» لا يعمل لصالحها، فهي تباشر عملاً تأسيسياً تحت سيف عامل الوقت، الذي «ان لم تقطعه قطّعها».
لم تتمكن الهيئة من استكمال طواقمها وكوادرها المؤهلين والمدربين و»المستقلين»، وثمة ما يكفي من الثغرات في قانونها، لكنها مع ذلك تبذل جُلّ ما بوسعها، من أجل البرهنة على جديتها وجدواها، واستعادة ثقة المواطنة بنزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها، واعادة الاعتبار لـ»شرف صندوق الاقتراع» الذي انتهك على نحو سافر في انتخابات سابقة.
أما حكاية «شرف الصندق»، فانا أستعيرها من مستشار الرئيس التركي السيد ارشاد هرموزلو، الذي قال أمام كاتب هذه السطور في نيسان 2011، أن تركيا في أحلك عهود انقلاباتها العسكرية، نجحت في حفظ شرف صندوق الاقتراع، صحيح أن الجيش طالما انقلب على نتائج الانتخابات، لا سيما حين كانت تأتي بقوى ذات مرجعيات اسلامية، لكن المؤسسة العسكرية حتى في ذورة تغوّلها، لم تجرؤ على انتهاك شرف الصناديق.
ولكي يستعيد الصندوق شرفه، ويستعيد الأردنيون ثقتهم بالصندوق والعملية الانتخابية برمتها، والبرلمان التي ستأتي به، وهذا هو الأهم، تعمل الهيئة ما بوسعها، أقله لضمان اجراءات نظيفة ويوم اقتراع خالٍ من التدخل الفج والوقح، الذي أتاج لمسؤول أحد الأجهزة الأمنية، أن يفاخر ذات يوم، بأنه «عيّن» أكثر من ثلثي أعضاء المجلس النيابي الخامس عشر.
بالنسبة لبعض المواطين، يجري خلط غير واعٍ، بين مسؤولية الهيئة ومسؤولية الحكومة وولاية كل منهما، هم يحمّلون الهيئة وزر قانون سيىء للانتخاب، لا يريدونه ولا يثقون به، هذه ليست مشكلة الهيئة، هذه مشكلة الحكومات التي تعاقبت، وجاءت بقانون انتخابي، ألحق «الاعاقة» بالعملية الانتخابية وسيلحق اعاقة مؤكدة بالبرلمان التي سيتمخض عنها. ثمة حدود لما يمكن للهيئة أن تتحرك في اطارها، وأهمها على الاطلاق، الضوابط الدستورية ومنطوق القانون الانتخابي والقانون الخاص بها، خارج هذه المنظومة الدستورية والتشريعية، لا تستطيع الهيئة أن تتحرك أو أن تجتهد، وجُلّ عملها ينحصر في هذا الاطار وتحت سقفه.
على أية حال، يصعب المرور عن أداء الهيئة دون التوقف عند أداء رئيسها، الأخ عبدالاله الخطيب، الذي نظر لمهمته منذ يومها الأول بمنظارين، وطني عام، ويتجلى فيما ذكرنا عن نزاهة الانتخابات وشفافيتها واعادة الاعتبار لـ»شرف صندوق الاقتراع»، والثاني، منظور شخصي، فالرجل الذي سجل أداءً نظيفاً في جميع المواقع التي تعاقب عليها، لن يسمح بأن تلتصق باسمه أو ترتبط به، عمليات تزوير وتدخل شائنة، كتلك التي شهدنها انتخاباتنا من قبل، وأحسب أن قول أمر كهذا، بعد كل هذه المراقبة اللصيقة لأداء الهيئة، هو شهادة حق من خارج اللعبة الانتخابية، يجب أن تُقال وتُسجل.
بالطبع، ليست هناك عملية انتخابية نظيفة مائة بالمائة، ولا تمتلك الهيئة عصا سحرية لوقف ما درجنا عليه في ربع القرن الأخير، لكن أحسب أن الهيئة في الحدود والضوابط المحيظة بعملها، تؤسس لمرحلة جديدة في ادارة العملية الانتخابية، وأحسب أن هذه التجربة بحاجة لمزيد من الرعاية والاهتمام والسخاء في الانفاق على الكادر والتجهيز والتدريب، طالما أنها الجهة الوحيدة، المنوط بها الاشراف على الانتخابات العامة في الأردن، بلدية كانت أم نيابية.
وللبحث صلة.
الدستور