"النيابي" السادس عشر: غياب المفاجآت الثقيلة!!

"النيابي" السادس عشر: غياب المفاجآت الثقيلة!!
الرابط المختصر

بدأ موسم الدعاية الانتخابية وسط شعارات غالبيتها مجترّة وفضفاضة.

خلال الأسابيع الأربعة المقبلة سيمر تحت المجهر الشعبي والرسمي 853 مرشحا ومرشحة في اختبار لخطاباتهم الرنانة, شعارات خيالية ووعود مناطقية, جهوية وإقليمية, يواكبها نثر آلاف الدنانير والدولارات إلى جانب هدايا انتخابية موسمية أملا بعبور بوابة مجلس النواب السادس عشر.

ما نلمسه ونسمعه في الحملات الانتخابية يبعث على مزيج من الأسى, الألم والإحباط, مع أن هذه المشاعر لم تكن غير متوقعة لأن نهايات الانتخابات نتاج قانون مؤقت إشكالي ونظام تقسيم دوائر مركبة تضيّع الكثير من فرص الناخبين لاختيار الأكفأ والابتعاد عن البنى التقليدية, وصولا إلى بناء هوية سياسية ضمن قوالب حديثة تحاكي مفهوم المواطنة على أسس المساواة في الحقوق والواجبات المدنية, الحاكمية الرشيدة, فصل السلطات وتعزيز الحريات الإعلامية.

فغالبية الخطابات الانتخابية تبدو خالية من برامج واقعية قابلة للتطبيق لنشل البلاد من حالة التراجع السياسي, الاجتماعي, التعليمي والمعيشي المتردي, فضلا عن انتشار العنف المجتمعي المقلق. في المقابل, تمجد الخطابات العشائرية والجهوية بأشكالها كافة وتشجع على اصطفافات إقليمية وفئوية ضيقة, كما تضرب على وتر مجتمع مقسوم أفقيا وعموديا حيال هويته السياسية.

في ظل هذه الأجواء, ليس من المستبعد أن يترحّم الحاكم والمحكوم على المجلس "المنحل" الأكثر مطواعا في تاريخ المملكة الحديث قبل أن يتمرد غالبية أعضائه ورموزه عقب إزاحة المظلة الأمنية التي كانت تتحكم بمفاتيح المجلس ما أدى إلى حله أواخر العام الماضي, قبل سنتين من استحقاق الانتخابات. تم ذلك التحول بقرار مفاجئ تماشى مع الدستور لكنه لم يعط تفسيرات مقنعة.

ملامح مجلس النواب القادم تبدو أكثر وضوحا حتى قبل بدء بازار الدعاية الانتخابية على وقع مقاطعة التيار الإسلامي واسع الانتشار واستنكاف شرائح مجتمعية واسعة تقول إنها فقدت الأمل في مسار الإصلاح الموعود وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في عملية بناء القرار.

تشير التوقعات بأن بين ثلث ونصف الوجوه التي جلست على مقاعد المجلس الخامس العشر ستعود, بمن فيهم غالبية أقطابه الرئيسيين -- ناقص اثنين أودعا في مجلس الأعيان الذي أعيد تشكيله, وذلك في إطار رسالة ضمنية تفيد بأن دوريهما قد انتهى. قبل أسابيع أظهرت دراسة استطلاعية عن اتجاهات نواب المجلس المنحل أن ما لا يقل عن 72 نائبا من أصل 110 سيخوضون غمار الانتخابات القادمة, معتمدين على ثقل قواعدهم الانتخابية والعشائرية, وسط تقديرات بأن أزيد من نصف المجلس السابق سيعاد انتخابه. تلك التقديرات الصادرة عن مركز القدس للدراسات السياسية تتماهى مع نتائج استطلاع أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية, والذي أظهر أن أكثر من 51 % من الأردنيين سيعاودون انتخاب ذات النواب الذين اختاروهم عام .2007

مجلس جديد/ قديم سيعيد بالضرورة طرح تساؤلات مشروعة عن أسباب حل سابقة, مع أن تسريبات رسمية أفادت وقتها بأنه لم يكن يحمل هموم الوطن وتطلعات الناخبين ولا يحتضن برنامج التحديث الملكي.

وقد تضطر الجهات المعنية إلى حل المجلس الجديد أيضا قبل انتهاء مدته الدستورية, ذلك أن أسس وقواعد اللعبة السياسية لم تتغير. فالقانون المؤقت والانتخابات الخامسة منذ 1989 استنفذت الكثير من مراميها ولم يعد فيها ما يشجع على بسط أجواء حيوية للانتخابات النيابية وعملية الإصلاح السياسي, المفترض أن تنطلق في إطار قانون انتخاب عصري يضع الأردن على سكة التحديث السياسي.

إذا أجواء انتخابية باهتة وحكومة تجاهد لرفع نسب المشاركة في "العرس الديمقراطي" وسط توقعات بأن تنخفض على نحو لافت عن معدل الإقبال في الانتخابات الأخيرة.

إجمالي عدد المتقدمين بطلبات ترشح بلغ 853 من بينهم 142 سيدة يتنافسون على 120 مقعدا مقارنة مع 885 رجلا و199 امرأة تنافسوا على 110 مقاعد في المجلس الخامس عشر.

غالبية الوجوه التى شاركت في الانتخابات الماضية, بمن فيهم نواب حالفهم الحظ وقتها, تعيد الكرّة الآن. ينشط عدد كبير منهم من المقرات الانتخابية السابقة ذاتها ويواصلون رفع شعارات فضفاضة مستهلكة غير واقعية سواء في محاكاتهم لثنائية الفقر والبطالة, أو التصدي لتحدي خدمات الصحة والتعليم. خطابات تحاكي خصوصيات المناطق والحارات وهموم المحافظات. وفي المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية غير المتجانسة, تسمع وعودا مماثلة وتقرأ شعارات تغرس في طياتها أفكار إقليمية.

الكتل الحزبية والسياسية المشاركة, التي اقتنصت فرصة لتعزيز حضورها بعد قرار التيار الإسلامي بمقاطعة الانتخابات دعما, ترشيحا وتصويتا, فشلت في فرض حضور مختلف على الحملة الانتخابية, كما لم تغيّر أجواءها الباهتة ومزاج الناخبين. يتجلى ذلك خصوصا في المدن الكبيرة التي تعاني من مشكلة تحفيز الناخبين على المشاركة مقارنة مع مناطق الثقل العشائري.

بات واضحا الآن بأن تيارين رئيسيين تشكلا على عجل يخوضان الانتخابات بدون رؤوس مع أن فرصة كهذه توفر الطريق الأقصر لبروز زعامات سياسية صاحبة فكر وموقف بعد ضمور الطبقة السياسية بمختلف ألوان طيفها. غالبية أعمدة التيارين يعتمدون على دعم عشائرهم, حال المستقلين الذين قرروا الترشح.

القائمتان المتنافستان, في طور الصيرورة إلى كتل بعد فرز المجلس النيابي, تضمان في صفوفهما أكثر من مائة وعشرة مرشحين. لكن المتابع لا يلمس أي فروق جوهرية في برامجهما الانتخابية مقارنة مع سائر المرشحين المستقلين.

مرشحو القوائم الحزبية, المعارضة التقليدية, هم من بين الأقل حظا بالفوز إذا ما استثنينا عددا من مرشحي القائمتين الوطنيتين. بعض قوائم الأحزاب الوسطية تضم أسماء لا تتعدى دائرة حضورها وحظوظها مع عائلاتها وجيرانها.

قبل أسابيع من الاستحقاق الانتخابي, أفرز عدد كبير من العشائر مرشحي إجماع أو تزكية. مقاعد دوائر أخرى حجزت مسبقا بين كبار المرشحين. لجأ البعض إلى تفاهمات تم بموجبها تقاسم الدوائر الفرعية ضمن الدائرة الانتخابية الواحدة.

دور المرأة كمرشحة ضعيف, بخاصة النسوة اللواتي قرّرن الترشّح لأول مرة على أمل الفوز على كرت الكوتا النسائية (12 مقعدا) بعد أن تضاعف عددها في القانون المؤقت. عدد كبير من النساء خارج العاصمة والمدن الكبرى يشكون من سطوة الرجال في إجبار النساء على التصويت لمرشحيهم.

سياسة وزارة الداخلية التي اعتمدت مبدأ البقاء على سرية الدوائر الانتخابية إلى بعد انتهاء فترة التسجيل أدت أيضا إلى شحن أجواء سلبية كان يمكن تفاديها في أوساط الناخبين والمرشحين.

أضف إلى ذلك بعض الأضواء الحمراء والخضراء التي يقال إنها صدرت عن مراكز قرار هنا وهناك لتشجيع بعض المرشحين على خوض التجربة أو حجبه عن آخرين بدعوى أن خروجهم من المسرح السياسي بات ضرورة لفتح الطريق أمام وجوه جديدة تدعم ما تعرف بأجندة الإصلاح والتحديث. في السابق كان هناك إستراتيجية وطنية عليا لاستحقاق الانتخابات, وللوجوه والشخصيات المطلوبة لحماية مصالح الدولة. اليوم, تقرر جهة ما أن تدفع بنائب ما لخوض المسابقة والهدف النهائي الجلوس على مقعد رئاسة المجلس. يطلب من بعض الأعيان الاستقالة من مجلس يعين بقرار ملكي, لكي يخوضوا الانتخابات لحماية مصالح »س« و »ص« من الساسة الأقوياء ممن يرفضون التنازل عن نفوذهم. جهات متنفذّة أخرى تهمس في أذن فلان للترشح, أو تطلب من آخرين أن يترشحوا في دوائر بعينها لإخراج من لا يريدون أن يحالفه الحظ.

في المحصلة, لن تكون هناك كتلة متجانسة تدافع عن مصالح الدولة, بل سيكون هناك نواب يدافعون عن مراكز نفوذ متعددة داخل أطر الدولة.

مخطئ من يعتقد بأن المجلس القادم سيكون المنبر الذي سيعيد الاعتبار لقواعد العملية الانتخابية برمتها واستعادة الاعتبار لهذا الاستحقاق الدستوري وهيبة ومكانة السلطة الدستورية المنبثقة عنه كأداة رقابية وتشريعية. فلن تتغير قواعد اللعبة كثيرا, اللهم إلا إذا حصلت معجزة سياسية.

سيكون هناك نواب مهمتهم الأولى الدفاع عن الحكومة, أيا كانت. آخرون ستكون مهمتهم التصدي لملفات الفساد وطيّها حتى لا تفتح لحماية رؤوس قد تطالها التحقيقات في حال تمت. فئة ثالثة ستكون مهمتها نكاية أي حكومة لا تخدم مصالحهم وأجنداتهم الشخصية.

مجموعة هذه العوامل والأساليب القديمة, تحمل في طياتها مخاطر تشي بأن غالبية من سيدخل المجلس سيكونون ضعفاء لا حول لهم ولا قوة. ذلك سيحرم الحاكم والمحكوم مرة أخرى من فرصة رفع سوية العمل البرلماني ومأسسة أداء المجلس وإدارة مهمات التشريع, الرقابة والمساءلة بقدر عال من المنهجية دون حسابات شخصية مسبقة.

مع ذلك يبقى الأمل معقودا على بعض المرشحين المحتمل فوزهم لإثبات حضور قوي تحت القبة. وقد ينضم إلى صفوفهم إسلاميون مستقلون, قوميون, يساريون وأصحاب خبرات فنية وسياسية. هؤلاء قد يضيفون بعض النهكه السياسية لمجلس ذي غالبية محافظة تستمد مفاضلتها من استمرار سياسات الأمر الواقع.

العرب اليوم