النواب ما زالوا في حفل تعارف
لا مصلحة للأردن والأردنيين ونظامهم السياسي إلا ببقاء الحكومة جهة تنفيذ والنواب رقابة
يعرف رئيس الوزراء المكلّف الدكتور عبدالله النسور درسه جيِّدا، لذا فقد أصرّ في مشاوراته النيابية على نقطة جوهرية في العملية السياسية ألا وهي ترابط مصير الحكومة وصلاحياتها وعمرها مع مصير وعمر المجلس النيابي، فلا قوة للحكومة إلا بمجلس نيابي قوي وفاعل ومقنع للرأي العام، ولا ولاية للحكومة إلا إذا كان مجلس النواب يباشر ولايته ودوره بشكل حقيقي.
ولا صحة للقول الذي روّجته طويلا النخب السياسية من أن الحكومة ومجلس النواب "جهة واحدة" بل على النقيض هما جهتان مختلفتان في مهامهما وعلى طرفي نقيض، فالحكومة تناط بها السلطة التنفيذية والبرلمان سلطة رقابية وتشريعية مهمتها التفتيش والرقابة على عمل الحكومة، ولا تلتقي الحكومة والنواب إلا في الهدف النهائي وهو خدمة الصالح العام وحفظ المصلحة الوطنية التي لا تكون إلا بأن يقوم كل طرف بدوره بصدق وأمانة.
إذًا لا مصلحة لأي طرف في تهميش الطرف الآخر، وكما يقول المثل "لا يفل الحديد الا الحديد" ولا مصلحة للأردنيين في تهميش دور المؤسسات الدستورية، فالمجلس النيابي منتخب ويمثل المجتمع الأردني بأطيافه كافة وأي خلل في أداء دوره الرقابي والتشريعي سيضر أولا بسمعة النواب المنتخبين والنظام السياسي الذي من واجبه حفظ التوازن والتكافؤ بين مؤسسات الدولة وضمان استمراريتها، لأن أي خلل فيها سيؤدي الى "عرج" العملية السياسية.
وهذا لا يعني أن تتناقض المؤسستان أو تتناكفان أو يتقصد كل طرف إضعاف الطرف الآخر وإحراجه أو منعه من ممارسة دوره، بل إن الحكومة ستقوى وتقدم أداء جيدا إذا ما شعرت أن المجلس النيابي يقف منها موقفا جديا ويراقب كل اعمالها ويسألها عن كل صغيرة وكبيرة، ومن مصلحة الحكومة أن تظهر اغلبية برلمانية وازنة قادرة على دعم برنامج الحكومة وادامتها بدل الاغلبية المهزوزة التي لا يمكن أن تساعد في ثبات الحكومة ومجمل العملية السياسية.
ومن هنا تأتي خطورة ضياع فرصة وجود الاغلبية النيابية الحقيقية، حيث المجلس النيابي ما زال في "حفل تعارف" من شهرين ولم يستطع بلورة أو إظهار أغلبية نيابية صاحبة موقف وبرنامج موحد، فنحن نرى الأخطاء الفردية بدأت تأكل سمعة المجلس وهي بالمناسبة تكرار للأخطاء في المجلس السادس عشر.
تخطئ بعض الكتل والنواب إذا هم أصروا على مطالبهم بتوزير النواب، لأن في ذلك خلطًا بين مهمتين متناقضيتين، مهمة الرقابة ومهمة التنفيذ، فالبناء لا يمكن أن تنفذه جهة هي نفسها تراقب أعمالها، هنا يقع الغش والفساد والإخلال بالشروط التعاقدية.
لذا لا مصلحة للأردن والأردنيين ونظامهم السياسي إلا ببقاء الحكومة جهة تنفيذ والنواب جهة رقابة، وإذا ما برزت اغلبية نيابية أو حتى حزبية قادرة على فرض تشكيل حكومة نيابية فإن الامر لا يعني اتوماتيكيا "توزير النواب" بل يعني البرنامج السياسي والاقتصادي وليس الاشخاص، أي في هذه الحالة تكليف الأغلبية النيابية بتشكيل الحكومة لكنها تختار أشخاص الوزراء من خارج البرلمان.
وإذا ما استطاع الرئيس المكلّف أن يطرح برنامجا وزاريا يستطيع نيل الثقة على أساسه، فإنه يكون قد قطع شوطا مهما، ليتفرغ بعدها إلى وضع برنامج حكومي لعدة سنوات لأن الأردنيين "زهِقوا" من تجاربهم السابقة مع البرلمانات والحكومات وهم يحتاجون اليوم إلى تغيير الأسلوب من أجل التفرغ إلى قضايا أساسية بدأت صغيرة فأصبحت تحديات هائلة تجب معالجتها قبل فوات الأوان، فهل نصحو لأنفسنا؟
العرب اليوم