النسور في نعيم أم جحيم؟

النسور في نعيم أم جحيم؟
الرابط المختصر

تشكو أوساط حكومة د. عبدالله النسور من قسوة الانتقادات التي تتعرض لها، سواء من وسائل إعلام ومواقع تواصل اجتماعي، أو من سياسيين وبرلمانيين. وهذه حقيقة بالطبع؛ فلا يمر يوم، لا بل ساعة واحدة، من دون أن نطالع خبرا أو مقالا أو تصريحا، كلها تُمطر النسور بوابل من النقد لسياساته وقراراته وتصريحاته، وحتى حركاته وطريقة جلوسه. وبالمناسبة، فإن اللقطات المصورة للنسور تحت القبة مثلا، أو في مناسبات أخرى، مغرية بحد ذاتها للتعليق؛ لما تنطوي عليه من معان ودلالات تغري المعلقين ورسامي الكاريكاتير وكُتّاب الصحافة الساخرة.

لكن، من قال إن رؤساء الحكومات السابقين كانوا في نعيم والنسور دون غيره في جحيم؛ ولم ينالوا من النقد ما ناله وأكثر؟ يكفي العودة إلى الوراء حكومتين أو ثلاثا، ونستعرض حالها في وسائل الإعلام وعند النخب السياسية. كل واحد من رؤسائها كان يتوهم أنه يواجه مؤامرة كونية لم يواجهها رئيس وزراء من قبل. لكن الحقيقة ليس كذلك بالطبع.

حكومة د. معروف البخيت الثانية كانت تحت النقد منذ اليوم الأول لتشكيلها، وواجهت سيلا من الانتقادات الشرسة، تجاوزت في أحيان كثيرة حدود القانون والمعايير الأخلاقية. وتحت قبة البرلمان، حظيت بحفلات من الشتائم والردح.

حكومة سمير الرفاعي من قبلها، كانت في مواجهة مفتوحة مع وسائل إعلام ونخب سياسية، ومن ثم مع قطاعات في الشارع احتجت على سياساتها الاقتصادية. وفي هذا الشأن خصوصا، ما من حكومة كانت على علاقة طيبة مع القطاع الاقتصادي الذي لم يتوقف عن الشكوى والتذمر من سياسات التهميش والإقصاء الحكومية. الرفاعي في آخر أيامه واجه عاصفة من الاتهامات لسياساته، ودخل في صراعات مع خصوم كثر لم يتركوه ليرتاح ساعة واحدة.

رئيس الوزراء الأسبق عون الخصاونة جاء إلى الحكم بأقل قدر من الخصومة، وبمستوى متقدم من التقدير الشعبي لمكانته كقاض دولي مرموق ورجل دولة طامح إلى بسط ولايته العامة على مرافق الدولة كلها. لكن، لم تصمد هذه الصورة طويلا؛ فمنذ لحظة إعلان تشكيلته الحكومية، قوبل بسيل من الانتقادات. واستمرت الحال في تصاعد وصل حد المواجهة مع شركاء في الحكم، وخصوم سياسيين في الساحة. كان أقل ما تلقاه اتهامه بالتآمر مع الإسلاميين، وضلوعه في "مؤامرة الوطن البديل".

هناك عدة عوامل ساهمت في زيادة وتيرة النقد للحكومات في السنوات القليلة الماضية. أولها، اتساع هامش حرية التعبير في الأردن. وثانيها، الاستخدام واسع النطاق لمواقع التواصل الاجتماعي، وتوفير منصة إعلامية لملايين المواطنين لإبداء رأيهم بشان كل ما يجول في خاطرهم. وثالثها، تراجع مستوى معيشة المواطنين، والذي يرتد عادة على شكل موجات غضب ضد الحكومات. ورابعها، رفع الغطاء الأمني عن الحكومات، والذي كان يوفر في السابق قدرا من الحماية، ولو على مستوى الإعلام المحسوب على الحكومات. لقد تغير نسبيا هذا الوضع، وأصبحنا نطالع انتقادات في وسائل إعلام شبه رسمية.

وثمة عوامل أخرى تلعب دورا في تحديد مستوى النقد وعمقه؛ كشخصية الرئيس، وظروف المرحلة التي جاء فيها، والفترة التي يقضيها في "الدوار الرابع"، وقاعدة خصومه وأنصاره بين النخب السياسية، وتشكيلته الوزارية؛ ففي بعض الأحيان يجلب وزير واحد للحكومة متاعب تفوق ما يجمعه فريق وزاري بحاله.

خلاصة القول أن النسور ليس في وضع أسوأ من غيره؛ فهو على الأقل لا يتكدر من النقد، بل يضحك عليه كثيرا هو وأفراد أسرته.

كل رئيس وزراء في الأردن يتعين عليه أن يتعود على العمل تحت النقد والضغط طوال الوقت.

الغد