"النزول إلى الشارع"

"النزول إلى الشارع"
الرابط المختصر

عندما يهدّد المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر محمد بديع، بالنزول إلى الشارع لمواجهة النظام، فتكون المسألة قد وصلت إلى "حافة المواجهة" السياسية بين الطرفين.

صحيح أنّنا ما نزال في مرحلة التهديد والرسائل السياسية، إلاّ أنّ التلويح بذلك، بحد ذاته، يعكس حالة من اليأس الكبير والإحباط والشعور بحجم الضغوطات الأمنية والسياسية، التي وصلت ذروتها خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، حينما أقصت الحكومة الإخوان بعنف، فانسحبوا من الجولة الثانية بعد أن تكبدوا آلاف المعتقلين!

بالعودة قليلاً إلى وراء، فإنّ "إخوان" مصر قرّروا المشاركة في الانتخابات حينما قاطع "إخوان" الأردن، ولم تستمر معزوفة الإعلاميين "الرسميين" هنا على هذا الوتر والمقارنة سوى أيام قليلة، إذ انسحب "إخوان" مصر من الجولة الثانية، وقد قرئ ذلك بمثابة اعتراف بخطأ قرار المشاركة في الأصل!

وفي بعض الأخبار والحوارات الجارية، ثمة نزوع بدأ ينمو لدى اتجاه داخل حزب العدالة والتنمية المغربي يدفع نحو المقاطعة، تحت وطأة خيبة أمل شبيهة بالحالات العربية الأخرى، مع أنّ تصنيف الحالة المغربية كان خلال السنوات الأخيرة معقولاً، لكن الحزب يؤكد أنه يتعرض لإقصاء نصف خشن ونصف ناعم خلال المرحلة الأخيرة، ومعاداة، ودفع له باتجاه الابتعاد عن الانخراط الكامل في اللعبة السياسية. بالضرورة، فإنّ النزول إلى الشارع، حتى في سياق حديث المرشد العام لجماعة الإخوان، لا يعني اعتماد العمل المسلح أو السري في التغيير، كما هي الحال لدى الجماعات الإسلامية الراديكالية، لكنه يعكس مؤشراً على أنّ الحركات الإسلامية في الطريق لتغسل يديها من لعبة المشاركة السياسية، والبحث عن خيارات أخرى.

هنا، تحديداً، يبرز الحديث ليس فقط في مصر بل في الأردن وغيرها عن "الطريق الثالث"، أي الخروج من سقف الخطاب التقليدي واللغة المتواضعة في الطموح السياسي إلى العمل على تغيير قواعد اللعبة السياسية، طالما أنّ الأبواب التي كانت توفر تنفيساً للاحتقان والضغط قد أغلقت.بيت القصيد في التهديد بالشارع هو ما يستوجب طرح التساؤل المفتاحي؛ فيما إذا كانت الحكومات العربية المعنية تدرك تماماً خطورة إغلاق الأبواب أمام الإسلاميين المعتدلين والدفع بهم إلى التلويح والتفكير، وربما التنفيذ، بخيارات غير تقليدية، ومنها النزول إلى الشارع ورفع سقف المطالبة السياسية، والانخراط أكثر في العمل السياسي المحلي الصلب وليس الناعم؟

أم أنّ هذه الحكومات ما تزال أسيرة عقلية "الحصار" التقليدية، والاستمرار في الأدوات نفسها في محاولة تحجيم الإسلاميين وإقصائهم؟!

الاحتمالان واردان، لكن المؤشرات تشي أنّ نسبة الملوحة في الصراع والاشتباك بين الحكومات والإسلاميين ترتفع كثيراً خلال الفترة الأخيرة، بما يتجاوز السنوات السابقة، استراتيجياً، بمعنى انكسار القواعد التي حكمت العلاقة بين الطرفين، سواء كانت علاقة شد وجذب أو احتواء أو صدام ناعم غير مباشر!

وإذا كانت الحكومات تدفع، بالفعل، الإسلاميين إلى "الشارع" فهل هذا من مصلحتها؟

شخصياً، أعتقد أنّ أي مواجهة مع الحركات الإسلامية والدفع بها إلى الزاوية لا يخدم الحكومات ولا الاستقرار السياسي، وليس بالمعركة السهلة، كما يعتقد البعض، فالحديث هنا عملياً عن صب الزيت على نار الأزمات السياسية والاقتصادية المشتعلة أصلاً.السؤال المطروح على الحكومات العربية، في نهاية اليوم، هو: إلى أين؟ وماذا نريد؟ فيما يبدو السؤال المطروح أمام الشارع والنخب السياسية هو: فيما إذا كانت استراتيجية النزوع إلى الشارع أنفع لمسار الإصلاح السياسي طالما أغلقت الأبواب الرسمية أم أنّها ستؤدي إلى نكسة أخرى!

الغد