المواقع الالكترونية وخيارات الهروب من "المطبوعات"

المواقع الالكترونية وخيارات الهروب من "المطبوعات"
الرابط المختصر

تنص المادة 38 من قانون المطبوعات والنشر المعدل على ضرورة تسجيل وترخيص المواقع الإلكترونية التي "تتعامل بالأخبار والتحقيقات والمقالات" بنفس الطريقة التي يتم فيها ترخيص الصحف الأردنية المطبوعة.

وتعتبر التشريعات الأردنية أن رئيس تحرير الصحف يجب أن يكون عضواً في نقابة الصحفيين وأن يكون عضواً عاملاً في النقابة لمدة لا تقل على خمس سنوات.

وإذا اعتبرنا وجود ما يزيد عن مئة موقع إلكتروني إخباري في الأردن فإن القانون المعدل (بعد نشره في الجريدة الرسمية) سيضع شرطاً صعبا لوجود أي موقع إخباري في الأردن.

فقانون نقابة الصحفيين ينص أن عضوية النقابة محصورة فقط في الصحفيين العاملين في الصحف المطبوعة، أي أنه لا يوجد الآن ولغاية تعديل قانون نقابة الصحفيين أية إمكانية لصحفي إلكتروني أن يصبح رئيس تحرير لصحيفة إلكترونية مالم يكن أصلا عضوا في نقابة الصحفيين

يعتبر القانون الأردني أنه لا يجوز لأي مواطن أن يسمي نفسه "صحفياً" بدون أن يكون عضواً في نقابة الصحفيين وهي النقابة الوحيدة المسموح لها قانونياً بإعطاء شرعية "صحفية" لأي إنسان يتعامل مع الأخبار.

وفي ظل عدم تعديل قانون نقابة الصحفيين حتى الآن، فإننا أمام وضع قد يؤدي إلى إغلاق عدد كبير من المواقع الإخبارية الأردنية.

طبعاً الموضوع لن ينته بهذه السهولة.  فهناك إمكانية نقل رسمي للمواقع الإلكترونية لخارج الأردن. قد يعتبر البعض أن المواقع الأردنية كلها أصلا أجنبية لأنه بمجرد وجود سرفراتها خارج الأردن فهي حسب المعايير الدولية بخصوص دولة المنشأ فإن جنسية الموقع مرتبطة بالدولة التي يقع فيها السرفير. للعلم فإن 100% من المواقع الأردنية مسجلة وتعمل من خلال مواقع دولية معظمها إن لم يكن كلها موجودة في أوروبا أو أميركا.

ويعني ذلك أن ما هو مطلوب من أصحاب تلك المواقع هو تأكيد جنسية مواقعها وخلق رابط قانوني بين مكاتبها في الأردن والموقع في الخارج. الهروب الإلكتروني هذا – إذا حدث- سيذكر الكثير بهروب الصحافة العربية الى أوروبا في القرن الماضي أو حملة هروب الأسبوعيات الى قبرص.

ولكن على ما يبدو فإن حتى فكرة الهروب باتت صعبة أمام قانون المطبوعات الجديد الذي يخول مدير المطبوعات والنشر بحجب أي موقع خارجي أو محلي غير مرخص ومسجل دون امر قضائي، إلا ان حجب اي موقع خارجي بالتأكيد له كلفة سياسية باهظة على الاردن امام المجتمع الدولي.

هناك أيضاً إمكانيات أخرى لحل هذا الإشكال القانوني/الإداري.  فالدستور الأردني المعدل اقترب أكثر من المعايير الدولية بخصوص تشكيل النقابات مما سهل وبصورة ملموسة قدرة العاملين على تنظيم عملهم من خلال تشكيل نقابات عمالية.

وفي هذا المضمار علينا طرح السؤال البسيط: ما هو العائق من تشكيل نقابة للعاملين في الإعلام الإلكتروني؟ بغض النظر عن نص قانون المطبوعات على ان يكون رئيس تحرير الموقع الالكتروني عضوا في نقابة الصحفيين إلا أن الاعلام الالكتروني وتوسع هذا الحقل في السنوات الماضية.

ومع توسع رقعة العاملين في الصحافة الإلكترونية زادت الأمور النقابية المتعلقة بحياة العاملين من غياب لعقود العمل وعدم إيفاء بعض المشغلين لحقوق العاملين وغيرها من الأمور النقابية البحتة والتي لا يوجد لها لغاية الآن أي جسم نقابي يدافع عن حقوق العاملين في مجال الإعلام الإلكتروني. وللعلم، فإن الإعلام الإلكتروني يشمل الإذاعات والفضائيات التلفزيونية إضافة إلى المواقع الإلكترونية.

قد يرى البعض في نقابة الصحفيين أن مثل هذا الجسم النقابي سيكون دخيلاً أو منافساً لنقابة الصحفيين التي تأسست عام 1953 وأمراً جديداً أو مؤامرة ضد الصحفيين.

ولكن هذا غير صحيح.  فالحاجة الى إلغاء إلزامية العضوية هو مطلب منذ سنوات وحظي بدعم حكومي عندما تبنت حكومة البخيت الأولى توصيات الأجندة الوطنية والتي شملت بنداً واضحاً يدعو الى الإنتهاء من نقابات تذكرنا بأيام النظام الشيوعي.  فالعمل النقابي والإنضمام الى نقابة ما  أو عدم الإنضمام هو حق كفلته الشرعية الدولية ومنها الإعلان الدولي لحقوق الإنسان والقوانين والمعاهدات التي تلتها والتي وقعت الأردن عليها.  كما وأن تشكيل نقابات عمالية أصبح الآن حقاً دستورياً مكفولاً لكل مواطن.

ليس الهدف هنا تقليص من قوة أو صلاحيات نقابة الصحفيين ولكن علينا الإعتراف أن هناك تضارب مصالح - ولو خفياً- بين الإعلام الورقي والإعلام الإلكتروني. فكلنا يذكر كيف نجحت نقابة الصحفيين في وقف المادة23 من قانون مكافحة الفساد والتي فرضت غرامات عالية على الصحف في حال "اغتيال الشخصية" .

ولا أقلل هنا من دور نقابة الصحفين في محاربة التعديلات الخاصة بالإعلام الإلكتروني إلا أنني أوضح أن هناك اختلافاً مهني ونقابي ما بين العاملين في الصحافة الورقية وزملائهم في الاعلام الإلكتروني ولا بد من إيجاد عنوان للصحفيين الإلكترونيين يحمي مصالحهم الحياتية ويدافع عن مهنتهم.

ومن الضروري في حال قيام نقابة للصحافة الإلكترونية أن تتجنب بعض المطبات التي وقع فيها قانون نقابة الصحفيين الحالي والذي يسمح – بل يشجع – كبار المحررين والناشرين بالعضوية في النقابة وفي معظم الأحيان بترؤس موقع النقيب.

ففي أوضاع تكون فيها العضوية إلزامية ومحصورة في عدد محدد من الصحف (إضافة للعاملين في بترا والتلفزيون الرسمي مؤخراً) فإن دور كبار الناشرين وأصحاب الإذاعات والفضائيات يختلف بل أحيانا يتعارض مع احتياجات الصحفيين. وفي هذا المضمار لا توجد أية مشكلة في تشكيل اتحاد لأصحاب المؤسسات الإذاعية يكون شبيهاً بجمعية أو تنسيقية أصحاب المواقع الإلكترنونية التي تعمل بجدارة للدفاع عن مصالح أصحاب تلك المواقع.

بسبب إصراره على ترخيص المواقع الإخبارية وضرورة تماثل المواقع الإلكترونية بالصحف اليومية  فتح المشرع الأردني باباً واسعاً أمام عمل نقابي هام للإعلاميين الإلكترونيين ولأصحاب المواقع ولأصحاب الإذاعات والفضائيات.  ومن الصعب إغلاق هذا الباب الآن.

*مدير عام موقع   راديو البلد وموقع عمان نت- أول إذاعة عربية على الانترنت

أضف تعليقك