تابع الشعب الأردني باهتمام، المشهد السياسي المثير، اقرار مجلس النواب الموازنة العامة للدولة خلال الأسبوع الماضي، فبعد رفض معظم أعضاء المجلس توجهات الحكومة برفع أسعار الكهرباء، اعتقد بعضهم أن للبلاد مجلسا جديدا، لكن مشهد الثلاثاء خيب الآمال، فقد مرر النواب المنسحبون والمصوتون قانون الموازنة، هذا القانون الذي يتضمن أولا رفع أسعار الكهرباء. فالمسرحية التي حاول بعض أبطالها الظهور غيورين على مصلحة الشعب الأردني قبل النهاية الدراماتيكية... بددها المشهد الأخير.
أما الموازنة التي تم اقرارها في النصف الثاني من شهر حزيران، أي بعد انتهاء النصف الأول من عام 2013، وبعد قيام الحكومة بانفاق نصف الموازنة بقانون مؤقت، لا قيمة لها من الناحية العملية، ولا قيمة للاعتراض على أي من بنود الانفاق ..! ومع ذلك دعنا نقرأ بعض بنود موازنة 2013 مقارنة مع 2012، لكي نستخلص ان كان هناك اجراءات جديدة تمس جوهر السياسات المالية أم لا.
1-بلغت القيمة الاجمالية للنفقات العامة لموازنة عام 2013 مقدرة للحكومة المركزية والوحدات الحكومية (المؤسسات) 9,335 مليار دينار مقابل8,582 مليار دينار لعام 2012 اعادة تقدير، بزيادة قدرها 753 مليون دينار.
2-بلغت قيمة الايرادات المحلية المقدرة لعام 2013 حوالي 5,715 مليار دينار مقابل 5,106 مليار دينار لعام 2012 اعادة تقدير، بزيادة قدرها 607 ملايين دينار.
3- في حال تحققت الزيادة في الايرادات والالتزام بالنفقات وفق قانون الموازنة الذي أقره مجلس النواب الأسبوع الماضي، فإن نسبة نمو النفقات أعلى من نمو الايرادات، والأهم من ذلك أننا نتحدث عن موازنة تقديرية. أما النتائج الحقيقية تظهر في نهاية العام بما يعرف بإعادة تقدير الايرادات والنفقات، حيث درجت العادة على اصدار ملاحق للموازنة في كل عام. وقد أقر مجلس النواب في جلسته الأخيرة ملحق لموازنة 2012 تضمن زيادة في الانفاق، حوالي 700 مليون دينار عن الموازنة التقديرية، وتراجع الايرادات المحلية بحوالي 200 مليون دينار.
4- ارتفع العجز الحقيقي للموازنة الموحدة للدولة الى 3,6 مليار دينار مقارنة 3,5 مليار دينار وحفظت نسبة العجز الحقيقي للموازنة حوالي 16% من الناتج المحلي الاجمالي للسنتين الأخيرتين 2012و 2013، وليس أقل من 10% كما تتحدث الحكومة، والسبب في ذلك أن العجز الحقيقي يظهر بين الايرادات المحلية والنفقات العامة للدولة(حكومة ومؤسسات) وليس فقط للحكومة المركزية. كما أن نسبة العجز تحسب للناتج المحلي الاجمالي المتحقق للسنة المنتهية وليس المقدرة كما تفعل الحكومة. وبذلك بقي عجز الموازنة ضمن معدلات مرتفعة.
اكتفي بهذه الملاحظات التي تؤكد أنه لا جديد في السياسات المالية، والجديد أن الحكومة الحالية عملت على زيادة الأعباء المالية على المواطنين بسياسة الافقار التي تمارسها ضد أصحاب الدخل المتدني والمتوسط في المجتمع، وذلك باصرارها على رفع أسعار تعرفة الكهرباء، رغم الآثار الكارثية التي يمكن أن يحدثها هذا الاجراء، لغالبية الشعب الأردني، وعلى القطاعات الاقتصادية المنتجة، التي تعاني من ضعف التنافسية، في ظل الانفتاح المطلق على المنتجات العالمية، ما يزيد الصعوبات أمام الاقتصاد الوطني، ويسهم بارتفاع معدلات التضخم التي وصلت الى حوالي 7% حتى نهاية أيار الماضي، فالكهرباء مادة ارتكازية سيؤدي ارتفاع تكلفتها الى ارتفاع تكلفة مختلف السلع والخدمات العامة، مقابل أن توفر الحكومة 51 مليون دينار على الخزينة. كما تتجه الحكومة نحو تعويم أسعار الخبز، الأمر الذي يؤدي الى انهيار القيمة الفعلية للأجور ويزيد من افقار المواطنين .
والغريب أن الحكومة أصمّت أذنيها عن البدائل والخيارات المتعددة التي طرحت، منها وقف هدر المال العام، وضبط الانفاق، وتحسين الايرادات وتحقيق اصلاحات ضريبية. فقد تراجعت ايرادات ضريبة الدخل خلال السنوات الثلاث الأخيرة 2010- 2012 من حوالي 4.5% من الناتج المحلي الاجمالي الى 3.3% ، ما أدى الى خسارة خزينة الدولة حوالي 760 مليون دينار بسبب القانون المؤقت لضريبة الدخل الذي خفض مساهمة القطاعات المصرفية والتجارية. كما تشير مصادر البنك الدولي إلى أن اجراءات التحفيز الاقتصادي التي اعتمدتها الحكومة لمواجهة الأزمة المالية العالمية ونظام الحوافز الاستثمارية الذي تم اعتماده والمتأخرات الضريبية، أدى ذلك إلى ضياع حوالي (3.1) مليار دينار من الإيرادات. ومع ذلك لم تحقق هذه التضحيات نتائج ايجابية للاقتصاد الاردني، وبقي النمو الاقتصادي يراوح بين 2 – 2.5% من الناتج المحلي
العرب اليوم