المهمّشون
في الملتقى الذي نظّمته هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني "همم"، قال وزير التربية والتعليم عمر الرزاز أن أحد مسبّبات الإرهاب هو "التهميش"، موضحاً أن من "أبرز عوامل محاربة الإرهاب هو تمكين الشباب وإشعارهم بأنهم عناصر فاعلة بالمجتمع على المستويات والأصعدة كافّة."
إذا كان التهميش هو أحد مسببات الإرهاب والتطرّف فعلينا تحليل عوامله، ثم العمل على التغلّب عليه لحماية أبنائنا ومجتمعنا من هذه الآفة.
ينبع التهميش من غياب المساواة، ومن عدم توفير الفرص المتساوية، وتشكّل المواطنة وحكم القانون المدخل الصحيح للتغلّب على أي تهميش يشعره المواطن.
لكن تبقى المواطنة مبدأ نظرياً بحاجة ماسّة إلى ترجمة حقيقية من خلال الدولة المدنية التي تحترم فعلاً حكم القانون، ومبدأ المواطنة يجب أن ينطبق على الجميع من غير استثناء ومن دون الاستناد إلى استثناءات أصبحت اليوم القاعدة.
أوضح تمييز في هذا الخصوص هو ما يحدث في مجالي التعليم العالي والتعيينات الحكومية، حيث يتم توفير مقاعد ومنح تعليمية ووظائف لفئات معينة دون غيرها، وعلى أسس غير علمية ولا تستند إلى مبدأ المواطنة أو الكفاءة.
الأمر نفسه ينطبق على توزيع مقاعد البرلمان والحقائب الوزارية والميزانيات وغيرها من القرارات الحكومية المبنية على محاباة فئة على حساب فئة وعلى أسس غير مهنية.
قد يكون أكبر نوع تمييز وتهميش ينبع من رفض الأردن إضافة عبارة جنس في البند السادس من الدستور الذي ينصّ:
"الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين.". ورغم أن كلمة الأردنيين تشمل الذكور والإناث إلا أن البرلمان رفض ذلك التعديل عندما طُلب من أعضائه إضافة كلمة جنس بعد العرق أو اللغة أو الدين خلال مناقشة التعديل الدستوري عام 2011.
التمييز ليس محصوراً على النساء في الأردن، ويمكن ملاحظته عند عقد كلّ دورة انتخابية حيث يتم توفير مقاعد أكثر بكتير لسكّان بعض المناطق مقابل مناطق أخرى ذات الكثافة السكانية، ما ينعكس في توزيع الخدمات والميزانيات والمستشفيات والمدارس وغيرها من المشاريع الإنشائية.
التمييز المجتمعي الذي يصدر عن العادات والتقاليد يمكن معاينته من خلال كيفية تمييز العائلة الأردنية بين الأبناء الذكور والإناث وبين الكبار والصغار. فرغم القدرات والإمكانيات المتوفرة لدى الأطفال واليافعين والشباب فإن عمليات الطمس والإحباط منتشرة لدى بعض المجتمعات، ما يخلق نزعه انفصالية محبطة تؤدي إلى العزلة والشعور بالنقص في الوقت الذي يجب على العائلة والمجتمع توفير التشجيع والثقة بالنفس للجيل الصاعد.
التهميش الحكومي والمجتمعي قابل للتعديل والتغيير. فمع زيادة الوعي وتقوية السلطة التشريعية من الممكن تعديل وتغيير بعض النصوص القانونية التي ينبع عنها تمييز واضح، كما من الممكن للمجتمعات المنغلقة عشائرياً ومناطقياً تطوير نفسها للتقليل من التهميش الممنهج.
التغلب على التهميش المبرّر بفتاوى دينية ينتج مشاكل أكبر، فأي تغيير أو تراجع عن تلك الفتاوى سيعتبر تشكيكاً في المصدر أو في الناقل، باعتبار أن النصوص الدينية تصلح لكل الأزمنة والأمكنة، ومن المعروف أن أصحاب الفتاوى يغالبهم شعور بأنهم رسل الحاضر والآخرة، ولذلك من الصعب إن لم يكن مستحيلاً اعتبار فتواهم وتحليلاتهم وتكفيرهم للآخرين مبني على ترجمة خاطئة للنص.
التهميش ليس شعوراً عاطفياً، لكنه ظاهرة حقيقية مصدرها قرارت سياسية ومجتمعية وعائلية، ونحتاج إرادة سياسية حقيقية في الإصلاح وضرورة جادّة في رفع مستوى الوعي الاجتماعي. أما الخطاب الديني فهو بحاجة إلى إصلاح جذري لا توجد في المرحلة الحالية أي إشارات بإمكانية البدء به.
داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.