الملك والحراك
زرت مهدي السعافين في مستشفى الشميساني بعد الإفراج عنه للاطمئنان عليه، ووجدته قوياً مبتسماً مؤمناً بأن إنجاز الإصلاح في الأردن يحتاج تضحيات، والأهم أنه مؤمن بأنه حان وقت العمل المنظم والمؤسسي أكثر من الشعارات والهتافات.
مهدي واحد من عشرات الشباب الذين سجنوا بسبب تعبيرهم عن آرائهم ونشاطهم الملموس في الحراك، وهم جميعاً يتطلعون لمرحلة جديدة بعد لقاءات الملك مع شباب الحراك، وتعهداته بأن يقفل ملف "الاعتقال السياسي"، وإدانته الصريحة للانتهاكات وممارسات التعذيب التي تعرض لها بعض شباب الحراك الشعبي.
لقاء الملك مع شباب الحراك خطوة بالاتجاه الصحيح، ومحاولة للاستماع لمن هم خارج الصندوق، هذه اللقاءات كان يجب أن تتم منذ بدء الحراك الشعبي، أي قبل ما يقارب العامين، لأنها كانت ستقدم للملك تصورات في العادة لا يسمعها، وقد لا يرغب بعض صانعي القرار في الدوائر المقربة منه أن تثار، لأنها تسير بالاتجاه المضاد لأجندتهم.
أذكر في بداية الحراك العام الماضي، نظم الملتقى الإعلامي لمركز حماية وحرية الصحفيين لقاء ضم قيادات الحراك الشبابية بكل تلاوينها واتجاهاتها، ودعونا النواب والحزبيين ورجالات الدولة ليستمعوا لوجهات نظرهم، كان اللقاء عاصفاً، واستمعنا لكلام جديد يكسر التابوهات، ولم نعهده من قبل، وإثر هذا اللقاء اجتمعت مع ناصر اللوزي رئيس الديوان الملكي آنذاك، وقلت له من المهم أن يلتقي الملك بهؤلاء الشباب وأن يستمع لهم لأننا سنختصر الطريق كثيراً للإصلاح.
طلب مني اللوزي أن أرسل له أسماءهم عاجلاً لترتيب اللقاء سريعاً، وبالفعل قمت بذلك، وأدرج اللقاء على أجندة الملك، ولكن في اللحظة الأخيرة تغير رئيس الديوان اللوزي، وللأسف تغيرت قائمة الأسماء في اللقاء الملكي، واستبعد شباب الحراك الذين يقودون الشارع، ووضعت قائمة أسماء لشباب غالبيتهم من "السستم"، وممن يريدون أن يلتقطوا الصور مع جلالته، لا أن ينقلوا نبض الشارع.
لقاء الملك مع قادة الحراك سواء في منزل رجائي المعشر أو في منزل أيمن الصفدي، أتمنى أن يكون أول الغيث لإدارة البوصلة، وآمل أن يلتقي الملك بالآخرين من الشباب ممن يمثلون توجهات أخرى، فالمشهد الشعبي الشبابي غني ومتنوع ويستحق الإصغاء.
اللقاء الملكي بشباب الحراك ربما يكون فرصة لا تعوض للاستدارة والبدء بخطوات جادة للطريق الثالث للإصلاح، يبعد الأردن عن شبح الاضطرابات التي عصفت بالعالم العربي، ويرسخ قدرتنا على صناعة ربيع أردني لا يمتزج بالدماء، ومستند إلى توافق ملكي شعبي.
لا يوجد خاسرون من اللقاء الملكي، بل على العكس، فالملك أوصل بشكل مباشر صوته لمن يقودون الاحتجاجات ويحملون النظام المسؤولية عن كل ما يجري، وشباب الحراك استمعوا لرأي الملك واستطاعوا أن يلتقطوا قواعد البناء المشترك للنهوض من الأزمة.
المهم الآن ما بعد اللقاءات، فالمطلوب وبكل حسم أن لا تتكرر الاعتقالات والإحالة لمحكمة أمن الدولة على خلفية الاحتجاجات والتظاهرات، وآن الأوان لمن يديرون المشهد بشكل أمني أن يتوقفوا ، فما فعلوه إلى الآن آذى النظام وشوه صورته.
وأكثر من ذلك، نريد مساءلة ومحاسبة من اتهموا بالانتهاكات والإساءات والتعذيب، فهذه جرائم لا تسقط ولا تتقادم، وهي أساس للإنصاف والمصالحة، وتظهر جدية النظام السياسي بالتبرؤ من هذه الجرائم التي لا يمكن أن يتقبلها الشارع الأردني، فنحن كنا نتباهى في العقود الماضية بأننا دولة لا يوجد بها معتقلين سياسيين، ومن المعيب أن يحدث ذلك في زمن الثورات والربيع العربي.
الفرصة ما زالت ممكنة لتصحيح المسار السياسي في الأردن، وكل أوراق الحل ليست بالتأكيد في سلة الانتخابات البرلمانية القادمة، بل خارج صندوق الانتخابات، وكل ما علينا فعله أن تنزل كل الأطراف عن الشجرة التي صعدت عليها، بدءاً من النظام، ومروراً بالجميع، حتى نبدأ أول الطريق بعد أن أضعنا عامين في المناورات وإطلاق الرصاص الطائش الذي لا يصنع شيئاً سوى الضوضاء.