اذا كان 73% من مقاعد الجامعات تذهب الى طلاب “الاستثناءات” فما الذي يتبقى “للمتنافسين” الذين لا يملكون سوى “معدلاتهم” التي حصدوها بالتعب والسهر؟
هذه اسوأ “وصفة” يمكن ان نقدمها لابنائنا الذين يفتحون اعينهم على واقع تغيب فيه العدالة، ويتحول فيه “الاستثناء” الى قاعدة، وبعدها كيف نستطيع ان نقنع هؤلاء الضحايا بأن يحترموا القانون، ويشاركوا في العمل العام، ويقدموا لمجتمعهم افضل ما لديهم؟ وكيف نرد على اسئلتهم حول علاقة الدولة بمواطنيها، وحول اهمية التفوق والابداع، وحول “العدالة” والمساواة التي رسبنا في امتحانها امام اعينهم، ووقفنا عاجزين عن تحقيق ابسط احلامهم في الحصول على مقعد جامعي بالتخصص الذي يرغبون فيه؟
صحيح ان وزير التعليم العالي يشاطرنا هذا الهمّ، ويعترف بما حصل من اخطاء تسببت في تراجع اداء جامعاتنا ومستوى طلابنا، ثم يعد يوضع ما يلزم من خطط لتجاوز هذه “المحنة” في المستقبل لكننا بحكم تجربتنا مع الحكومات قصيرة العمر، ومع الوزراء الذين يبدؤون دائما من “الصفر” ندرك بان المشكلة لن تُحل في القريب العاجل وبان احدا لن يعوض ابناءنا الذين خسروا “احلامهم” في مقعد جامعي يناسب طموحاتهم .. لا الآن ولا غدا.
من المفارقات ان النظام الذي يتم من خلاله قبول الطلبة في الجامعات الرسمية يسمى “النظام الموحّد” وهو بالطبع غير موحّد لان قوائم “الاستثناءات” والمحاصصات فيه تأكل نحو ثلاثة ارباع المقاعد الجامعية، ومن المفارقات –ايضا- ان اغلبية الطلبة المحرومين من دخول الجامعات على اساس هذا النظام والذين يضطرون بالتالي الى “الموازي” هم من ابناء الفقراء، حيث تقتطع اسرهم معظم دخولها المتواضعة لسداد اقساطهم الجامعية، فيما تمنع انظمة الجامعات تقديم الدعم لهم، وبالتالي فهي تعاقبهم مرتين: مرة بسبب غياب معايير التنافس الحر الذي يتيح لهم الحصول على حقهم المشروع، ومرة اخرى بحرمانهم من اي مساعدة توفرها صناديق الدعم، وتذهب في العادة لغيرهم ممن يدفع رسوما اقل.
انصاف الحلول –هنا- لا تجدي، بالعكس، فهي تفاقم من المشكلة وتجعل الذين خسروا ما كانوا يتمتعون به من “مزايا” يشعرون بالظلم، وبالتالي فان المطلوب هو اعادة النظر جذريا في مسألة القبول وتوزيع المقاعد الجامعية بحيث تخضع لمعايير واضحة من التنافس بعيدا عن “الاستثناءات” والمحاصصات، وتفصل نهائيا عن مسألة “البعثات” فالطالب الذي يحصل على مقعد جامعي تبعا “لمعدله” او كفاءته يستطيع بعدئذ ان ينافس على “البعثات” المتاحة.. ووفق اسس وشروط “عادلة” ايضا.
اصلاح التعليم العالي اصبح “ضرورة” وطنية، والبوابة التي يفترض ان ندخل منها لتحقيق ذلك هي “نظام القبول” هذا الذي يجب ان نجتهد لتغييره باسرع وقت ممكن.
اذا تمكن وزير التعليم الحالي، د. وجيه عويس، من تنفيذ خطة “افكاره” فاننا سنتقدم خطوات الى الامام في هذا المجال، اما اذا تركنا الحبل على الغارب فيجب ان نكفّ عن الكلام الطويل حول مواجهة العنف الجامعي وحول تراجع البحث العلمي وتدني مستوى طلبتنا واساتذتنا ايضا.. فلا يعقل ان نحاكم النتائج فيما نصر على بقاء الاسباب كما هي.. ولا يجوز ان نحمل “الضحايا” المسؤولية فيما نحن “شركاء” بما وصلوا اليه من كوارث.
span style=color: #ff0000;الدستور/span