المفاوضات المباشرة تصطدم بعرض الحائط قبيل الجولة الثانية
جولة أخرى من المفاوضات ينتظرها فقط المتفائلون القلة في الرابع عشر من الشهر الجاري؛ وهم الآن أقل بكثير من بداية المفاوضات، فرصيد نجاح هذه المفاوضات لم يعد كسابق أمره.
فها هي تراشقات إعلامية تكاد توسم بإيماءات وتلميحات عن فشل مسبق لهذه المفاوضات؛ تراجع واضح في عبارات كانت أكثر أملاً وتفاؤلاً في تحقيق نتائج حتى لو لم تكن بالمستوى المطلوب.
فجميع الأطراف أصبحت تتسارع لإيضاح نتائج هذه المفاوضات مسبقاً؛ الطرف الأمريكي ومن بداية المفاوضات صرح على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية بأن امريكا ستكون شريكاً دائماً ونشيطاً في هذه المفاوضات، مشدداً على صعوبة تحقيق السلام، لكن عدم استحالته، مع الصبر.
أما جورج ميتشل المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط فوصف المفاوضات المباشرة بأنها "بناءة". مؤكداً على أن الولايات المتحدة ستضع كل ثقلها وراء مفاوضات السلام الحالية.
إلا أن تراجع واضح في تصريحات الطرف الأمريكي بدت واضحة باتجاه فشل هذه المفاوضات؛ حيث جاء على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما في العاشر من الشهر الجاري أنه يتوقع عقبات ضخمة أمام مسيرة هذه المفاوضات؛ مؤكداً على استمرار بلاده في المحاولات حتى مع "فشل المفاوضات" وهو تصريح جاء قبيل بدء الجولة الثانية من المفاوضات بخمسة أيام والمنتظر عقدها في شرم الشيخ.
نتنياهو الذي أبدى رغبة شديدة في الوصول إلى اتفاق سلام في الجولة الأولى من المفاوضات والذي أبدى استعداده لقطع طريق طويل في وقت قصير لتحقيق السلام مع الفلسطينيين واستعداد بلاده للتوصل إلى تسوية تاريخية مع الفلسطينيين؛ سارع في توضيح نتائج هذه المفاوضات في عيد رأس السنة العبرية؛ حيث خفف من عباراته حيال نجاح المفاوضات؛ مبيناً وجود عقبات تعترض هذه المفاوضات وهو ما لا يضمن نجاح الجولة الثانية من المفاوضات. وهو تصريح سبق تصريح أوباما بيومين فقط، كما صرح نتنياهو قبل الجولة الثانية للمفاوضات بيومين عن استياءه من عدم سماع اعتراف فلسطيني بدولتين واحدة يهودية والثانية فلسطينية.
ولا يبتعد وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن رؤيته في فشل المفاوضات فهو أمرٌ يكاد يكون محسوم بالنسبة لديه؛ موضحاً أنه لن يتم توقيع اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين لا في العام المقبل ولا حتى في الجيل المقبل.
أما محمود عباس والذي أكد على التزام سلطته باحترام الاتفاقيات التي وقعت مع الجانب الإسرائيلي؛ واعتبرها منطلقاً للوصول إلى سلام لإنهاء الصراع وإنهاء كافة المطالب والبدء في مرحلة جديدة؛ سارع هو الآخر في توضيح موقفه من الجولة الثانية من المفاوضات؛ مبيناً أنه سيرحل في حال طلب منه تقديم تنازلات عن الثوابت الفلسطينية؛ كما سارع في بث المطالب التي لطالما كانت مجرد آمال مرجوة في المفاوضات مع الطرف الإسرائيلي؛ حيث وضعت اللجنة المركزية لحركة فتح أربعة أسس لاستمرار المفاوضات؛ هي الاستمرار في وقف الاستيطان، والتمسك بالمرجعيات الدولية خلال الأعوام 19 من المفاوضات، والتمسك بشمولية الحل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967، بما يضمن قيام دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة إلى التمسك بضرورة الوصول إلى اتفاق نهائي شامل حول جميع قضايا الحل النهائي، وهي: الحدود والقدس والمستوطنات والمياه واللاجئين والأمن.
المتفائلون من بداية استئناف المفاوضات عقدوا آمالاً عديدة على نجاح هذه المفاوضات بنوها على استئناف المفاوضات بمشاركة أمريكية؛ إلا أن هؤلاء بدؤا سريعاً بالتراجع عن آمالهم في ظل التصريحات والتراشق الإعلامي من الأطراف حيال فشل المفاوضات ليحفظوا لهم خط العودة.
أما المتشائمون من المفاوضات من بدايتها؛ فهم الآن أمام استحقاقات لإيضاح المرحلة القادمة من الصراع في المنطقة؛ والخيارات التي ستطرح على طاولة الصراع وليس التفاوض من جديد؛ فالصراع بات أمرٌ محسوم بالنسبة لهم ويترتب عليه تحضير أجندة له.
تراجع بات واضحاً أمام الآمال التي عقدت على هذه المفاوضات منذ البداية؛ ومع هذا تبقى نتائج المفاوضات تتأرجح أمام سيناريوهين؛ الأول هو فشل هذه المفاوضات والذي هيأ لفشلها مسبقاً بتسارع الأطراف أمام الإعلام وشعوبها لإثبات عدم تنازلها عن مواقفها وما يمثل ثوابت بالنسبة لشعوبها؛ والثاني هو نجاح هذه المفاوضات بأقل النتائج؛ وهو ما هُيِأَ له إعلامياً ببث بالونات دعائية من الأطراف لتهيأة الشعوب على حصد أقل النتائج؛ وهنا قد تتبلور هذه النتائج في الإفراج عن بعض المعتقلين، أو تمديد تجميد الاستيطان بفترة محددة؛ وهو ما يراه المحللون عثرة أمام طريق السلام.
وبينما يبني بعض المحللين توقف عملية المفاوضات المباشرة بالنظر لاصطدامها بعثرة الاستيطان؛ إلا أن هذا قد يكون مخرجاً لحصد أقل النتائج من عملية المفاوضات بتمديد فترة تجميد الاستيطان على حساب تأجيل الملفات الأخرى.