المطلوب نزع فتيل الأزمات لا إشعالها

المطلوب نزع فتيل الأزمات لا إشعالها
الرابط المختصر

ليست الأزمات حكرا على هذه الحكومة، فثمة أزمات كثيرة أضرت بالناس في عهد حكومات سابقة، يرد منها في البال اليوم أزمة تلوث مياه زي، والشاورما، وطريقة إدارة ملف انفلونزا الخنازير.

وخلال الأيام القليلة الماضية شهدنا أكثر من مشكلة بدأت بالكهرباء وانتقلت إلى المياه، ولا يوجد ضمانات بعدم وقوع مآزق في المستقبل.

وسواء وقعت المشاكل اليوم أو بالأمس أو غدا، فإنها تعكس ضعف قدرة المسؤولين على التنبؤ بالأزمات قبل حدوثها اعتمادا على متابعات حثيثة للملفات التي تقع ضمن مسؤولياتهم.

أما وقد أهمل المسؤولون ما يأتي من تقارير تشي بإمكانية حدوث مشكلة تشغل القاصي والداني، وتؤثر في حياة الناس وتلحق بها ضررا ماديا ومعنويا ونفسيا، فإن تفجر الأزمات والمشاكل يصبح أمرا متكررا.

وتتعاظم آثار الأزمات حينما تتعلق بقطاعات حيوية تعنى بعيش الناس اليومي وليس سلعة كمالية يمكن للفرد الاستغناء عنها، فما هو حاصل ليس نقصا في عدد السيارات التي تدخل السوق أو حتى الأجهزة الخلوية، كما أنه ليس انقطاعا لسلع يمكن أن يتوفر لها بدائل أخرى.

أما وقد وقعت الأزمة، فإن التخفيف من تبعاتها ووطأتها على الناس ممكن من خلال الإعلام وليس أية جهة أخرى، فالإعلام هو الأقدر على إيصال صوت المسؤول ومبرراته وخططه لحل المشاكل، تماما كدوره في نقل هموم الناس والتعبير عنها.

ويبدو أن المسؤولين لم يدركوا بعد قيمة الإعلام والأدوات التي يوفرها في نقل وجهات نظرهم وشرحها للناس من أجل التقريب بين الطرفين، فالإعلام هو نصف الحل وليس سبب المشكلة، والشراكة معه تسهم بشكل كبير في امتصاص جزء من آثار المشاكل ونتائجها. أما تحييد الإعلام من قبل المسؤولين، فلا يجلب إلا نتيجة واحدة وهي تفاقم الأزمات وتفجرها من دون سابق إنذار تماما كما حدث في المياه والكهرباء.

والأزمة تعريفا هي نقطة تحول مصيرية في مجرى حدث ما، وإمكانية وقوعها من عدمه ترتبط بتحسن ملحوظ أو تأخر حاد، وترتبط بمعلومات تاريخية حول مسألة محددة، وزوال الحالة أو تفاقمها مرتبط بتعقد هذه المعطيات أو تبسيطها.

المشكلة أن متطلبات معالجة الأزمات غير متوفرة لدينا، فما إن تقع المشكلة أيا كانت، حتى يكون لدينا سيناريوهان ليس لهما ثالث؛ فإما الإنكار أو تبادل الاتهامات ورميها على الآخر من دون مسوغات. وردة الفعل هذه لا تأتي من فراغ، بل هي نتاج طبيعي لغياب الصفات القيادية في من يتولون الأمر ولا يدركون مدى الانعكاس السلبي لمثل هذه المشاكل على المجتمع بمختلف شرائحه، وتحديدا ما يتعلق بالجانب الإنساني، إذ ليس من صفات الساسة إنكار الأزمة والتقليل منها ومحاولة تحميل الأخطاء للآخرين.

وأسباب تفجر الأزمة قد تكون بسيطة أو غاية في التعقيد، فاندلاع الأزمة قد يرتبط بعبارة أو كلمة، أو حدث خطير، وتدور في وسط ينطوي على احتقان، ما يعد بيئة خصبة لنشوء الأزمات.

وانتزاع فتيل المشكلة قد يكون بكلمة أو عبارة وتحديدا مع الأردنيين الذين يتمتعون بمنسوب عال من الطيبة وتفهم الظروف الصعبة كما أثبتت كثير من المواقف.

وتجنب الأزمات أهم من نزع فتيلها وعلاجها، وتحقيق هذا الإنجاز، يتطلب عملا مضنيا من الجهات الرسمية تقوم فيه بتطبيق سياسات تمنع نشوء الأزمات أو امتدادها وتحول دون تفاقمها.

أما وقد وقع المحظور؛ فإن المنطق يفرض أن تكون الاستجابة السريعة هي سيدة الموقف لتخفيف الأثر السلبي للمشكلة، ويلي ذلك مرحلة رسم السيناريوهات ووضع الخطط وحشد القوى والإمكانات لمواجهة الأزمة والتصدي لها.

لو نظرنا إلى تاريخ الحكومات المتعاقبة لاكتشفنا أن مسؤولينا تخصصوا في إشعال الأزمات وأبدعوا في ذلك، إلا أن التجارب لم تعلمهم إلى اليوم كيف ينزعون فتيلها أو يحولون دون وقوعها.