المصيبة أعظم!
بعد تكرار نفي تسرّب أوراق امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي"، والإصرار على ذلك من وزارة التربية والتعليم، أكّد نقيب المعلّمين، النائب مصطفى الرواشدة، أنّ هنالك بالفعل تسريباً يحدث في هذا الامتحان.
ووصل الأمر حد إعلان رئيس هيئة مكافحة الفساد سميح بينو، توقيف عدد من موظفي وزارة التربية والتعليم بتهمة تسريب هذه الأوراق.
ثمة رأي في أوساط سياسية ورسمية يحاول التقليل من انتهاك حرمة امتحان التوجيهي، وتكرار تسرّب الامتحان خلال الأعوام الأخيرة، بدون أن نجد إجراءات حاسمة وصارمة من الدولة تجاه هذه الظاهرة الخطرة جداً؛ بل ما تزال حالة الإنكار والتستّر هي السائدة والمهيمنة على الرواية الرسمية!
يصرّ أصحاب هذا الرأي على أنّ ظاهرة التسريب وانتهاك حرمة امتحان الثانوية العامة ليست بالجديدة، بل هي قديمة ومتكرّرة، لكن الفرق اليوم أنّ انتشار وسائل الإعلام الإخبارية، بخاصة تلك التي تخرج عن قيود الرواية الرسمية، هو ما يجعل الأمر يبدو وكأنّنا أمام انهيار كبير.
ويضيف هذا الفريق إلى ذلك أنّ وسائل الغش تطوّرت اليوم، مع تطور التقنيات والوسائل الاتصالية الحديثة.وبالرغم من أنّنا لا نملك أن ننفي (بالفعل) وجود مثل هذه الظاهرة سابقاً، إلاّ أنّ البحث دائماً عن "شمّاعات" لتبرير الانهيارات الخطرة والكارثية التي تحدث، هي فلسفة تساهم في تجذير هذه الظواهر، لا حلّها.
وفي ذلك أيضاً استهتار كبير بقيمة الثقة والعدالة واحترام العملية التربوية والتعليمية التي بقيت في منأى، إلى فترة طويلة، عن الفجوة المتنامية بين الحكومات والشعب.
إلاّ أنّ ما يحدث أخيراً في جامعاتنا من عنف دموي مستشر، ومن فوضى ونكوص ثقافي وتعليمي كبير، ومن ثم انتشار ظاهرة الاعتداء على حرمة الثانوية العامة؛ كل ذلك بمثابة إرهاصات مقلقة جداً بأنّ انحدار الثقة والمصداقية بدأ يصيب المجالات الأخرى، الأكثر أهمية وخطورة من المجال السياسي نفسه!لذلك، علينا أن نعترف أنّ السوس وصل إلى العظم، عندما يصيب امتحان الثانوية العامة والجامعات.
وعلينا أن نخرج من عقلية التبرير السطحية السخيفة الممجوجة، لنقرّ بأنّ هذه الظاهرة المتكررة، أي تسريب امتحان الثانوية العامة، والاعتداء على حرمة الامتحان في العديد من القاعات، وصمت وزارة التربية والتعليم، عجزاً أو تواطؤاً أو ضعفاً، إزاء هذه الظاهرة المرعبة، هي من أخطر المؤشرات والعلامات على مدى انهيار مكانة الدولة وهيبتها وصورتها الأخلاقية في عيون الناس.
هيبة الدولة تكمن هنا، و"العين الحمرا" في هذه اللحظة، في مواجهة أولئك الذين يقتحمون قاعات الثانوية بأسلحتهم وسطوتهم ويعتدون على حرمة الامتحان وكرامة المراقبين، هي في مواجهة انهيار احترام الناس لمثل هذا الامتحان الذي بقيت صورته خلال العقود الماضية في منأى عن الانهيار السياسي، وبقي قيمة محترمة، قبل أن تهتز بدرجة كبيرة في أعين الناس اليوم!
أيّها السادة، انتهاك حرمة الامتحان بهذه الصورة المتكرّرة هو انهيار لصورة الدولة، وللقيم التي من المفترض أن تحكم علاقتها بالناس، وبما يجسد أزمة أخلاق تصيب المجتمع، وتعكس سيادة منطق الغاب والاستقواء على القانون والشعور بعدم المساواة.
وعلينا أن نتعامل مع هذه الكارثة الكبرى بمنتهى الجديّة.
أما إذا كان رئيس الوزراء لا يعتقد أنّ الأمر يستحق الاهتمام والعناية، وهو من كان تربوياً ويعرف خطورة ما يحدث، فإنّ المصيبة أعظم!
الغد