المشهد يتأزم
لا يبدو أن الأمور بين الحكومة وصندوق النقد الدولي تسير على ما يرام.
"الصندوق" يعتقد أن ما أنجزته الحكومة لا ينسجم مع الأهداف المحددة لها، وثمة مشكلة كبيرة عالقة حتى اليوم بين الطرفين حيال قانون الضريبة، ومديونية شركة الكهرباء، وغيرهما من القضايا. إذ إن "الصندوق" غير معجب بمنجزات الحكومة في ضبط النفقات. والظاهر أن بعض بنود قانون الضريبة المقترح غير مريحة بالنسبة له.
ما حدث هو أن الحكومة لم تلتزم بحذافير تعليمات "الصندوق" في إصلاح مديونية شركة الكهرباء، فاستثنت شرائح الاستهلاك المنزلي دون 600 كيلوواط من القرار، وخيرا فعلت؛ فهذه الشرائح لم تعد تحتمل مزيدا من الضغوط المالية.
في المقابل، لم تسع الحكومة إلى ضبط بنود أخرى من النفقات، كان يمكن أن تساعد قليلا في التخفيف من حدة لغة "الصندوق" بشأن سياستها، خصوصا ما يتعلق ببعض أوجه الإنفاق التفاخري المستمر حتى الآن.
المؤسسة الدولية تطلب تخفيض النفقات بمقدار 250 مليون دينار، مقابل الحصول على شهادة "حسن السيرة والسلوك"، والدفعة الثالثة من قرض "الصندوق" المقدرة بحوالي 258 مليون دولار؛ وهو ما يبدو صعبا في ظل المعطيات الحالية.
بعد الفشل في تخفيض النفقات، اتخذت الحكومة منحى ثانياً للحل، يتمثل في زيادة الإيرادات بنفس المقدار المطلوب لتخفيض الإنفاق؛ ما جعل الحكومة تتخبط، وتبدأ رحلة البحث عن تلك الزيادة التي تستنزف من رصيد الثقة بها كحكومة قادرة على تولي الشأن العام.
من هنا جاءت زيادة الرسوم على الألبسة، والتفكير في غيرها؛ فالهدف النهائي للصندوق هو تخفيض عجز الموازنة.
والمشكلة أن هذه السياسة فيما تستنزف من الرصيد الشعبي للحكومة، فإنها قد لا تحل المشكلة أيضاً.
من هنا الخطر يقترب، والمؤشرات المالية تتعرض للتهديد، ويلزم اتخاذ موقف وطني. ولا أبالغ إن وصفته هكذا، فهو كذلك.
المنتظر من جميع المؤسسات أن تقدر حجم التهديد، وأن تسعى لتخفيض النفقات لما تبقى من هذا العام، والعمل باقتناع بضرورة وضع موازنة تقشفية للعام المقبل. إذ إن كل ما يعانيه البلد اليوم ويسدد ثمنه المواطن، ليس إلا نتائج التوسع في الإنفاق، على مدى سنوات، بسذاجة، بدون حساب هذه النتائج.
الصورة الآن تجلت. وكل التحذيرات من مخاطر التوسع في الإنفاق منذ العام 2004، و"تفقيس" المؤسسات المستقلة، ظهرت بجلاء.
الحل ليس سهلا. والمشهد يتأزم بمرور الوقت. والمنح النقدية المباشرة للخزينة يبدو أنها لن تصل. إذن، ما الحل؟
وقف التعيينات؛ وتحديدا تلك التي تتم من تحت الطاولة. وكذلك اتخاذ قرار سياسي وليس اقتصاديا، بإعادة دمج موازنة المؤسسات المستقلة بالموازنة العامة، واتخاذ قرار وطني شجاع بتخفيض الإنفاق (لجميع مؤسسات الدولة) وكأنه إعلان لحالة طوارئ.
أعراض الأزمة تتبدى. ومعطيات اليوم على اختلاف بعضها (تحديدا قيمة الاحتياطي الأجنبي التي تقترب من 11 مليار دولار، ويغطي قيمة 6 أشهر من المستوردات)، تقترب من أعراض أزمة العام 1989. وحماية المنجزات المالية والنقدية مسؤولية وطنية، وذاكرة الأردنيين لا تحمل من ذكرى تلك الأزمة إلا ما حل بالدينار وبثرواتهم التي تبخرت بين ليلة وضحاها.
وحتى لا يتكرر المشهد، علينا الاعتراف أن الأزمة كبيرة، وأن الحلول ليست جاهزة، والإرادة غير متوفرة. والاعتراف بالمشكل قادر على خلق شعور بالمسؤولية، يشكل دافعا للحكومة للاقتراب، ولو قليلا، من الإصلاح المالي المطلوب، بحيث تتخلص من أشباه الحلول التي تقدمها.
في الحكومة وزراء وخبراء يعلمون تماماً ما هي الوصفة الحقيقية للخروج من المأزق وإيجاد الحل، فهل يباشرون تركيب الوصفة أو الإشارة إليها؟
الغد