المسؤولية الأهلية في تطوير التعليم

المسؤولية الأهلية في تطوير التعليم

في القصص التي يرويها كبار السن عن التعليم في الأردن هناك جانب لا يتم الالتفات إليه كثيراً، وهو الجانب المتعلّق بإنشاء المدارس وتمويلها والإشراف عليها، حيث كانت هذه إحدى مسؤوليات الأهل تجاه أبنائهم، وربما كان التعليم جزءاً من المسؤولية المجتمعية التي يتكافل الناس جميعاً لإنجاحها، ولم تكن الدولة هي المسؤولة الوحيدة عنه.

إن الحديث عن المسؤولية الأهلية في تمويل التعليم وتطويره تبدو ذات أهمية خاصة في هذه الأيام، بعد ظهور كثير من المشاكل التي يعاني منها التعليم، على مستوى المضمون والأساليب والاتجاهات وضعف الطلاب، وعلى مستوى التمويل أيضا، فالمدارس تعاني كثيراً بسبب تهالك البنية التحتية، وبسبب قلّة عددها واكتظاظ الطلاب فيها.

تشير تصريحات وزارة التربية والتعليم أن عدد المدارس المستأجرة يبلغ حوالي الربع، إذ قال وزير التربية والتعليم عمر الرزاز  في أحد تصريحاته أن الوزارة تحتاج لبناء 60 مدرسة سنويا ولا تستطيع الوزارة بنائها نظراً لعجز الموازنة، وأشار إلى أن ميزانية الوزارة قد تغطي بناء 40 مدرسة سنويا، مما يعني أن هناك نقصاً سنوياً يساوي 20 مدرسة جديدة، وهذا يعني أن أعداد الطلاب سوف تزداد في الشعب، مما يؤثر سلبا على نوعية التعليم الذي يتلقونه.

لا بد من التفكير بطرق تمويل أهلية في ظل هذه الظروف، وقد اتخذت الوزارة خطوة جيدة بالتعاون مع دائرة الإفتاء لتوجيه التبرعات الوقفية نحو بناء المدارس وتحسينها، لكن ذلك لا يكفي، لأن الناس غير مقتنعين بأهمية دعم المدارس وبنائها وتطويرها، وما زالت أموال الوقف ينفقها المحسنون في مجال بناء المساجد وتقديم الصدقات، ذلك أن الوعي الجمعي الديني يرى في تلك الأعمال أجرا يُجازى عليه الإنسان جزاء حسناً في الآخرة، ويعد صدقة جارية لصاحبها.

لذا من المفيد البحث عن طريقة جديدة لإشراك المجتمع في المسؤولية تجاه التعليم، ويكون ذلك بتشكيل مجالس من أولياء الأمور وأهالي المنطقة التي تقع فيها المدرسة، وتكوم هذه المجالس حقيقية، وليست وهمية على الورق كما هو حاصل الآن.

وكذلك إشراك المجالس المحلية والبلديات وأعضاء مجالس اللامركزية في التخطيط والتطوير ومعرفة المشاكل الدقيقة التي تعاني منها المدارس من الناحية المادية، ومن ناحية تطوير العملية التعليمية، ومشاكل الطلاب، وقضايا المعلمين كذلك، أي أن يتم كشف كل المشاكل بشفافية ووضوح، ووضع المجتع والأهل أمام مسؤولياتهم نحو أبنائهم، ونحو المجتمع بشكل عام.

هناك دراسات كثيرة تشير إلى أهمية دور الأهل في تحسين أداء أبنائهم، فقد ذكر عبد الرحمن البلادي في دراسة له أن غياب دور الآباء والأمهات ساهم في ضعف التعليم لدينا، والأسباب لذلك كثيرة، منها، عدم اهتمام كثير من الآباء بما يحدث داخل المدرسة، عدم الاطلاع على المستجدات والأنشطة التي تكون في المدرسة، وضعف التواصل مع الابن وسؤاله عما يدرس؟ وعمن يدرسه؟ وكيف يدرسه؟ ومستوى رضاه عما يحدث في حجرة الصف، عدم مساعدة الطالب لتخطي العقبات التي تواجه الطالب، وهذا يتطلب أن يفكر الأهل في مدى دعمهم وتشجيعهم لمدرسة ابنهم، والمتابعة الدائمة تعني أن يبقى الطالب متنبها لهذه المتابعة، وكذلك المعلم، ويمكن تشكيل مجموعات ضغط بالتعاون في حل المشاكل التي تواجه المدرسة، وتوفير المتطلبات الناقصة سواء عن طريق البحث عن داعمين أو التبرع الشخصي، أو أن يكون هنالك احتفالات وفعاليات يكون لها مردود مادي يدخل في صندوق مجلس الآباء والمعلمين.

لقد كان المجتمع ذات زمن يتحمل مسؤولية كاملة تجاه أفراده، في التعليم وفي السلوك أيضاً، وكانت المحاكمات الاجتماعية أشد وقعاً من المحاكمات القضائية، وكان الناس يشاركون في بناء المدارس بالمال والجهد والمساعدة المعنوية أيضا، كلٌ حسب قدرته، ثم كانت هذه المدارس جزءاً من مسؤولية أولياء الأمور والمجالس القروية والبلدية والوجهاء في مختلف المناطق، لكن ذلك تراجع مع الزمن بسبب تشديد القبضة الرسمية للحكومات على كل مفاصل المجتمع، وتوجيه ذلك لخدمة السلطة من منظورها فقط، ولأن الناس ينتقمون بصمت وبسلبية فقد تركوا الدولة والحكومات لتدبر أمرها بنفسها، وانسحبوا من مسؤولياتهم عقاباً لتدخل الدولة في أدق شؤون حياتهم، فحدثت القطيعة بين الحكومات والشعب، بل ربما نجد أن بعض الناس صار يتجه نحو تخريب الممتلكات العامة عمدا، لأنه يعتقد أنها لا تمثله، وليست له، بل هي أداة في يد السلطة لقمعه وسلب ما في جيبه.

إننا اليوم بحاجة لإعادة المسؤولية للمجتع، وإعطاء قدرا من الحرية لينظم الناس حياتهم بعيداً عن قبضة السلطة ورقابتها، وأولى شيء بذلك هو التعليم، إذ لا بد أن يعود إلى أحضان المجتمع ليشارك في تمويله وتطويره، في الوقت الذي بدأت الدولة تفقد قدرتها على استيعاب الأعداد الكبيرة من الطلاب، وتشكو من نقص التمويل، وضعف التطوير.

 

يوسف ربابعة: كاتب وباحث وأستاذ جامعي. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.

أضف تعليقك