من لعبة"ماع ماع " إلى "محو الخرائط "

الرابط المختصر

في ألعاب طفولتنا التي لم تكن طفولة أبدا في المخيم كنا ننقسم إلى صفين متقابلين، وعلى نغمة وبرقصة بدائية يبدأ الصف الأول بسؤال الصف الثاني:
يا غنماتي
فيرد عليه الثاني:
ماع ماع.. ماع ماع
ويعود الصف الأول يسأل:
شو أطعميكم:
فيرد الصف الثاني:
ماع ماع.. ماع ماع
ويستمر الصف الأول بالسؤال:
سم يهريكم
فيردد الصف الثاني:
ماع ما .. ماع ماع
وتنتهي اللعبة هنا بعد أن نشبع من ترداد "ماع ماع ".
فهل كنا في العهد الغابر من طفولتنا نفهم عقلية القطيع ونحتج عليها بتمثلنا لها وتقمص جوَّانيتها؟.
في تلك الطفولة في المخيم كانت لنا ألعابنا الخاصة التي تتمثل الحرب والموت والعبث بالخرائط، وكانت لدينا لعبة  "الخارطة " التي تحاكي خرائط الحرب والصراعات الإقليمية ومحو خرائط الدول وإعادة تشكيلها، وتلك اللعبة لوحدها كانت تستمر لساعات ولو أردت شرحها لطال بنا الوقت هنا، لكنني أذكر أنني كتبت عنها مطولا ذات سنة في العرب اليوم وخاصة في ملحقها "اليوم السابع ".
هناك في مساحة ألعاب طفولتنا في حارات المخيم كنا ننزلق في تمثلات الحرب، نصنع البنادق من الخشب ونسرق المطاط " المغيط " من خلف أمهاتنا سرا، وبقطعة خشب متهالكة كنا نصنع منها أشكالا عديدة من الأسلحة والبنادق، وكانت كل مكوناتها مسروقات من خلف الأمهات، ملاقط الغسيل،  المطاط، المسامير بأحجامها المختلفة، بقايا مواسير الألمنيوم الخفيف من بقايا أعمدة الخيام الزرقاء الخفيفة التي كانت سرعان ما تقذفها الرياح من هدايا "الأونروا"، والأسلاك المعدنية.
ولا ننسى بالطبع لعبة المقليعة التي كنا ننسجها من خيوط القنب، ولعبة الشعبةأو"النقيفة" وكثيرا ما كانت الحارات تدخل في حروب بالمقليعة وكانت الحجارة تمثل القذائف والرصاص والعتاد وكم من إصابات حدثت، ولم تكن تلك اللعبة تنتهي حتى تنجح حارة باحتلال حارة أخرى وإعترافها بالهزيمة التي سرعان ما تعود الحارة المهزومة للثأر في الأيام التالية.
ان الحديث عن ألعاب الطفولة في حارات المخيم يطول ويطول، ومع ذلك كله لم أجد صدى لهذه الالعاب التي كنا نخترعها في الأدب الروائي وحتى في الشعر ربما باستثناء المقليعة والشَّعبة"النقيفة " بينما تكاد باقي الألعاب التي تعد بالعشرات تختفي تماما بالرغم من تأثيرها المباشر والبعيد المددى في صياغة وتشكيل الوعي الطفولي لأبناء المخيمات.
ذات سنة في أواخر سبعينيات القرن المنصرم تصدى أحد أبناء مخيم البقعة وألف كتابا في ألعاب الأطفال في المخيم، واشتريته من المكتبة ولا يحضرني اسم مؤلفه الآن، لكنني ربما يسعني التفاخر والمباهاة بأن تلك النسخة لا تزال بحوزتي وفي مكتبتي وأحتفظ بها منذ أكثر من 50 سنة مضت..
لن أطيل فالحديث في هذا الأمر يمسك بعضه بعضا، ويستدعي فيما يستدعيه ربما أكثر من نصف قرن كامل من تحدي البقاء والعيش العنيد
لكن الأهم من كل هذا أننا ما زلنا نردد خلف بعضنا البعض..
ماع ماع ..ماع ماع