المجهولون والفقراء.. لسنا شعبا متسولا

المجهولون والفقراء.. لسنا شعبا متسولا
الرابط المختصر

يقتلني مشهد من ارتضى على نفسه التسول. بعينيه المنكسرتين وملامح الاستجداء في وجهه، وصوته الذليل. كل شيء فيه يعنّفني.

عندما أخرج من المسجد، ظهر كل جمعة، يكون المتسولون، قد أخذوا أماكنهم جاهزين بصراخهم وعويلهم.. رجال ونساء وأطفال.

أُهرول فَزِعا تلطمني الأصوات المنكسرة. من اليمين صوت ذل، ومن اليسار صراخ استجداء.. أصوات حزينة في كل مكان .. لن يستر ذلهم مال العالم كله.. أدفع الناسَ البطيئين لابتعد عن المستكينين. أكاد أصرخ بهم (يا ناس أخرسوا) إن أَلَمَ الذل أشد وجعا من أَلَمِ الجوع.

أمس لم يكن يوم جمعة. ورغم ذلك كنا على موعد مع إشاعة بأن الديوان الملكي العامر يصرف أموالا للمواطنين الذين يتقدمون باستدعاءات من خلال نموذج، كان يباع في المكان، وأعد لهذه الغاية.

ورغم النفي المبكر للديوان الملكي العامر، إلا أن الإشاعات استمرت بالطواف في عمان فأغرقت الشوارع المحيطة بالزحام لساعات.

لقد وقفت مئات العائلات الأردنية أمام الديوان العامر لتقديم الاستدعاء الوهمي، ولاحقا تبين أن الأمر يهدف إلى بيع نموذج الاستدعاء من قبل مجهولين.

فكرت طويلا بهؤلاء المجهولين. وقلت: يجب أن لا يبقوا مجهولين طويلا. يجب محاكمتهم، ليس فقط لممارستهم جرم النصب أولا بإيهام الناس بإمكانية الحصول على المال المزعوم أمام المقر السامي، وليس فقط بجرم النصب على الفقراء، بل لممارستهم جرم تعليم الناس ثقافة التسول.

إنه تدريب تطبيقي على التسول، ولا يكون المتسول إلا ذليلا.

الحكومة والأجهزة المعنية مسؤولة عن عدم إبقاء الفاعلين مجهولين. فإذا ما فهمت الحكومة حقا توجيهات الملك المستمرة تدرك أن خطورة ما قام به هؤلاء المجهولون هو في شقين: (أمني واجتماعي) عبر زرع الذل فيهم وتطبيعهم مع الانكسار، على النقيض من "تمكين الفقير" بإعطائه الفأس ليحتطب وليس منحه المال.

أما لماذا اقترف المجهولون جرما أمنيا فلأن ممارستهم تزرع الفتنة بين طبقات المجتمع، وتحولها إلى شرائح متباغضة، فيفسد الغني على الفقير مرة، ويسرق الفقير من الغني في أخرى.

أمس كنا أمام شريحتين: المجهولون والفقراء.

أضف تعليقك