المبني للمجهول!

المبني للمجهول!

في الثرثرة والغيبة وتداول الأخبار في المجالس تسود كما هو معروف صيغة المبني للمجهول؛ فكل شيء يُنقل بتعابير مثل "يُقال إن، وسمعنا أن .."، ويكاد يستحيل أن تسمع المعلومة بصيغة "قال لي فلان!" فالناقل للمعلومة بصيغة المبني للمجهول يكون قد سمعها بالصيغة نفسها من الذي قبله والذي قبله، وهكذا في سلسلة لا يمكن أن تعرف أبدا أين تنتهي، أو إذا كانت تنتهي حقا عند اسم محدد كناقل أصلي أو شاهد فعلي.

وجود ناقل أصلي أو شاهد فعلي يتيح على الفور المساءلة والمناقشة والتقصّي، بل مجرد معرفة اسم الناقل السابق يتيح تقييم قوّة المصدر وصدقية المعلومة، لكن لا أحد يتبرع بالقول صراحة إنه سمع المعلومة من فلان ويفضل إبقاء الفاعل مبنيا للمجهول.

هذا ينطبق على الغيبة الاجتماعية بقدر ما ينطبق على الغيبة السياسية، وهو أمر شائع في مختلف المجتمعات كما هو عندنا، لكن أشك أنه يسود في مجال العمل العام والأداء الرسمي بقدر ما يسود عندنا.

أقول هذا بمناسبة آخر المعلومات عن قانون الانتخاب إذ "يقال" إن المشروع هو تقسيم المملكة إلى دوائر بعدد المقاعد! هذه المعلومة يتمّ تناقلها في المجالس وأيضا في تقارير صحافية، ومن جهتي لم أسمع من مصدر أصلي تأكيدا لهذا الخبر، فالمصادر الأعلى تنقل بدورها هذه المعلومة بنفس صيغة المبني للمجهول.

هل يمكن أن نقف هنا لنناقش هذا المقترح للقانون بوصفه المقترح المعتمد أو المنوي اعتماده؟! أنا لست مستعدا لمناقشته بهذه الصفة، أولاً لأنني لا أؤيد هذه الصيغة حتّى أتطوع سلفا بحسم النقاش لصالحها، وقبل ذلك فإنني مبدئيا لا أقرّ بالمساجلة في أمر لا يظهر شخص واحد فقط ليتحدث به، وعلى الأقلّ أن يقول إن الفكرة التي مضمونها كذا وكذا مطروحة للتداول.

على كل حال نحن لم نسمع أبدا لا عن هذه الفكرة، ولا عن أي فكرة أخرى مطروحة للتداول، فضلا إذا كان يمكن على الإطلاق أن تعرف أين وكيف هي مطروحة للنقاش!

الميدان الرسمي المفترض للتداول في قانون الانتخاب هي اللجنة الوزارية المشكّلة لهذه الغاية، وعلى ما نعلم (إلا إذا كان أعضاء اللجنة كلهم على قلب رجل واحد متفقين وملتزمين بحجب المعلومات)، فإن اللجنة لم تناقش أي فكرة لنظام انتخابي جديد، ونحن لا نقصد الجوانب الإجرائية.

طريقة اتخاذ القرار في مؤسساتنا غير مرضية أبدا لغايات إنتاج القرارات الأفضل، فما بالك في أمر استراتيجي كهذا! فكل فكرة أو مقترح لصيغة النظام الانتخابي هي أمر مشروع، وقد لا يكون هناك تباين في وجهات النظر، كما هو الحال في هذه القضيّة، لكن أين وكيف يؤطر صاحب أو أصحاب أو شركاء القرار لمناقشة الأفكار والسيناريوهات والاحتمالات للوصول إلى قناعة معينة وإنضاج القرار الأخير بأن هذا أو ذاك هو الأفضل؟! أين؟ قد نسمع تفسيراتٍ الفاعلُ فيها أيضا مبني للمجهول

 

أضف تعليقك