اللاجئون السوريون.. لا تذلوا أشقاءنا
فوت النواب أمس فرصة إجراء مراجعة شاملة وعميقة لتداعيات الأزمة السورية على الأردن، بأبعادها الإنسانية والأمنية والسياسية.
فعوضا عن مناقشة سياسة الحكومة بشأن قضية اللاجئين المتفاقمة، وسبل إدارتها للأزمة، تبارى السادة النواب في إطلاق دعوات عنصرية وتحريضية بحق الإخوة السوريين، وصلت إلى حد المطالبة بطردهم وترحيلهم.
اتسم خطاب عدد غير قليل من النواب بالانفعال والتشنج، وطالوا بسهام نقدهم دولا عربية ليس للأردن مصلحة في توتير العلاقات معها، بصرف النظر إن كنا نتفق أو نختلف مع سياستها تجاه سورية، لأن علاقات الأردن مع أي دولة تتحدد بمنظور المصالح الأردنية الخالصة، وليس بموقف هذه الدولة أو تلك من الأزمة في سورية أو في أي مكان آخر من العالم.
لكن وسط ضجيج الخطابات تحت القبة، لم تغب الأفكار البناءة. فقد تقدمت كتلتان نيابيتان بمقترحات قابلة للنقاش، من قبيل الدعوة إلى إقامة منطقة إنسانية داخل الحدود السورية لإيواء اللاجئين، بدلا من المخيمات شحيحة الخدمات في الداخل الأردني؛ ودعوة المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته تجاه اللاجئين، وتقديم الدعم المالي اللازم للأردن.
ويمكن التفكير أيضا في وضع حد أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بالدخول يوميا للأردن، وذلك للسيطرة على حالات التدفق العشوائي، وضمان تقديم الخدمة بحدود الإمكانات المتاحة.
حال الحكومة ليس بأحسن من النواب؛ فقد تبين من البيان الذي عرضه رئيس الوزراء عبدالله النسور، خلال الجلسة، أن الحكومة لا تملك تصورات واضحة وعملية للتعامل مع قضية اللاجئين، غير افتتاح مزيد من المخيمات.
وأنه ليس لديها خطط بديلة في حال تفاقمت الأوضاع على الحدود. والأسوأ من ذلك أنها لم تعدّ خريطة للمواقع التي يتواجد فيها اللاجئون السوريون، أو معلومات وافية عن ظروف إقامتهم.
وكان مفاجئا للكثيرين ما أعلنه النسور عن وجود نحو 600 ألف سوري في الأردن قبل اندلاع الأزمة.
ومع قدوم أكثر من 450 ألف لاجئ، يكون العدد تجاوز حاجز المليون.
أرقام وزارة العمل حول العمالة الوافدة لم تشر في يوم من الأيام إلى وجود 600 ألف سوري في الأردن؛ في أحسن الأحوال كانت التقديرات تشير إلى 200 ألف.
بعد أشهر على إندلاع الثورة في سورية، كانت المؤشرات تفيد بأن التطورات هناك ستأخذ منحى خطيرا.
وقد حذرت منظمات دولية من أزمة إنسانية تتجاوز الحدود السورية. لكن المسؤولين الأردنيين لم يأخذوا ذلك على محمل الجد، ولم يعدوا السيناريوهات اللازمة للتعامل مع كل الاحتمالات، وشهدت إدارة الأزمة حالة من التخبط والارتباك، والتنازع على الصلاحيات بين مختلف الأجهزة الحكومية، رغم المبادرة إلى تشكيل لجنة عليا لهذا الملف.
ليس لائقا من الناحية الأخلاقية أن نلقي اللوم على اللاجئين؛ هؤلاء ضحايا لا ذنب لهم، لم يختر واحد فيهم ترك بلده وبيته للعيش في مخيم تنعدم فيه وسائل الحياة، أو البحث عن مكان آمن لأطفاله بيننا.
كيف يكون شعورنا لو كان واحد منا لا قدر الله مكان شقيق سوري وهو يسمع بعض نوابنا يطالبون بطرده وإغلاق الباب في وجهه؟!
الأزمة أكبر من طاقتنا على احتمالها، هذا صحيح. لكن ثمة خيارات كثيرة للتخفيف من آثارها غير الدعوة إلى صفع أشقاء أعزاء على وجوههم.
الغد