القوانين المؤقتة: تغول سلطة على أخرى!

القوانين المؤقتة: تغول سلطة على أخرى!

الخطوط العامة التي عرضها وزير الدولة لشؤون الاعلام للقوانين الاربعة المؤقتة المعدلة لقانون العقوبات التي اقرتها الحكومة امس الاول, هي من حيث المضمون مطلوبة وضرورية للحد من اتساع رقعة الجريمة والعنف الاجتماعي في البلاد.

مع ذلك, أقف شخصيا ضد هذه القوانين, لانها مؤقتة. ولانها تأتي في اطار حالة سياسية اصبحت فيها القوانين الاساسية, تصدر بقانون مؤقت مثل قانون الانتخابات وقانون العقوبات, وضريبة الدخل, والضمان الاجتماعي وبانتظار قانون الانتخابات وقانون الاحوال الشخصية .. الخ. وهذا يعطي استنتاجا حاسما لأي متابع, بأن البلاد تدار بقوانين مؤقتة, وفي غياب مجلس الامة, استنتاج يعطي الانطباع بان البلاد من دون مؤسسة تشريعية "مجلس النواب" افضل منها بوجوده, وهذا في كل الظروف غير صحيح.

هذا من الناحية المبدئية, المرتبطة بثقافة الدفاع عن الوظيفة الدستورية للسلطات الثلاث: التشريعية, والتنفيذية, والقضائية, وضرورة الفصل التام بينها, بما يُحمّلها كامل المسؤوليات الدستورية المناطة بها بمعزل عن التدخل والتَغَوّل من سلطة على اخرى.

اما من الناحية الميدانية, وفي قراءة يتفق عليها معظم المراقبين لتطورات الوضع الداخلي, فان حجم المشكلات الجديدة, اعقد واصعب واخطر من ان يحتويها تعديل بقانون مؤقت على قانون العقوبات, او التمسك بالادوات الامنية والسياسية القديمة المتآكلة, في التصدي للمشكلات الاجتماعية الخطيرة.

من حركة المعلمين الواسعة التي تطالب بانشاء نقابة, الى البيانات الاخيرة (غير المسبوقة) عن المحاصصات والتوطين والفرز في الهويات, مرورا بمسلسل احداث العنف المجتمعي المتكررة من محافظة الى اخرى, ومن مدينة وقرية الى غيرهما, هناك ما يؤشر بشكل حازم بان المشكلات التي تشغل بال الاردنيين هي اكبر من ان تُحل بقوانين مؤقتة.

كانت الحكومة ستحقق النجاح الذي يغير الظروف والمناخ الداخلي باتجاهات ايجابية طويلة الامد لو انها التزمت بالتركيز على تنفيذ مهمتها المعلنة في كتاب التكليف السامي, وهي "1" ان يكون العام الحالي عام الاصلاح السياسي "2" اجراء انتخابات حرة ونزيهة على اساس قانون انتخاب ديمقراطي. مهمات تجعلها من اهم الحكومات ان نجحت في تحقيقها.

من دون قانون انتخاب يضمن (حدوث حملة انتخابية حقيقية) تتنافس فيها البرامج لا الاشخاص والاموال, وتطرح فيها مشكلات المجتمع على الرأي العام بكل صراحة ووضوح, ليقرر الناخب - عبر صناديق الاقتراع, ومن خلال ممثليه في مجلس النواب - الحلول الناجعة الملهمة لأي تشريع, بما يعزز مقولة, ان القانون من دون دعم المجتمع المدني وتفهمه, يفتقد الى النجاح في التطبيق.

ما يتصدى للمشكلات الخطيرة التي تتنامى كالفطر في المجتمع, هو تحقيق هاتين المهمتين, لكن بمقاسات الحريات والاصلاح المعروفة في الدول الديمقراطية او على الاقل 50 بالمئة منها. لكن ان تُعَنْوَن الانتخابات الحرّة بما جرى في انتخابات الجامعة الهاشمية, وان يتم الاصرار على رفض نقابة للمعلمين باسم قرارات قديمة للمجلس الاعلى لتفسير الدستور, قرارات يجد اساتذة في الدستور والقانون مخارج لتعديلها, مثل الرجوع الى المادتين "122" و "123" من الدستور اللتين تُخَوّلان مجلس الوزراء اصدار تفسير آخر وقانون جديد لنقابة المعلمين.

* ملاحظة: منذ انشاء الدولة الاردنية في عام 1921 وحتى عام 2001 صدر "150" قانونا مؤقتا فقط. مع ان البلاد خاضت خلالها (5) حروب, ولم تجر فيها انتخابات لمدة 20 عاماً بسبب احتلال الضفة الغربية, اليس ذلك مرشدا دستوريا وسياسيا لتفسير "التدابير الضرورية التي لا تحتمل التأخير" والتي تبرر الحكومة بها اصدار قوانين مؤقتة حسب المادة 94 .

* وملاحظة اخرى في باب الاصلاح السياسي: منذ العمل بالمجالس النيابية في البلاد. (4) مجالس فقط من المجالس الـ (15) اكملت فترتها الدستورية. اليست هذه مشكلة اسمها ضرورة اعادة الاعتبار وبقوة للمجلس النيابي, من خلال حملة انتخابية تفرز مؤسسة تشريعية راسخة كالجبال تنال ثقة الشعب والدولة وتظل مصدر التشريع الوحيد!.

 

أضف تعليقك