القطاع "المدلل" يتعرض للهجوم
حظي قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأردن برعاية استثنائية خلال العقد الماضي، حسدته عليها قطاعات أخرى. المستثمرون في مجالات الاتصالات وتقنية المعلومات تلقوا ما يلزم من التسهيلات للاستثمار وتصدير تكنولوجيا البرمجيات، وأقبلت شركات عالمية على فتح فروع لها في الأردن.
وفي غضون أعوام قليلة، حقق القطاع حضورا مميزا على خريطة الاقتصاد الأردني؛ فقد تجاوزت إيرادات القطاع ملياري دولار بعد عشر سنوات على انطلاقه، وساهم في توفير نحو 84 ألف وظيفة. ومع مرور الوقت، أصبح الأردن مصدرا رئيسا للكوادر البشرية المؤهلة لمعظم دول المنطقة.
بيد أن القطاع "المدلل" تعرض في الآونة الأخيرة لضربات موجعة من الحكومة، ولم يجد من يسأل عنه من أهل القرار. فبدعوى تخفيف عجز الموازنة العامة، لجأت الحكومة إلى رفع الضريبة على المكالمات والأجهزة الخلوية بنسبة مئة بالمئة تقريبا. وفي وقت سابق، اتخذت الحكومة قرارا بحجب مواقع الكترونية، بدون أن تراعي الآثار السلبية المترتبة على قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وما يعرف بصناعة المحتوى في الأردن. القرار المذكور دفع بشركات عالمية، مثل "غوغل" و"مايكروسوفت"، إلى التراجع عن خطط التوسع بالاستثمار في الأردن.
جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات "إنتاج" وصفت خطوة الحكومة بالقول: "إن الحجب لا يحجب عمليا رؤية المواقع، بل يحجب الثقة والاستثمار المولدَيْن للعمالة والصادرات".
بعد القرار الأخير للحكومة، وصلت نسبة الضرائب على هذا القطاع حوالي 48 %. وحسب دراسة متخصصة، فإن مقابل كل دينار وربع دينار تحصل عليه شركات الاتصالات الثلاث، يدخل إلى جيب الحكومة ديناران و13 فلسا.
في العام 2012، بلغت قيمة الضرائب التي دفعتها "زين" و"أورانج" و"أمنية" 264 مليون دينار، إضافة إلى 150 مليون دينار دفعتها الشركات لاقتناء رخص "الجيل الثالث". في المقابل، سجلت الشركات المذكورة أعلاه أرباحا بلغت نحو 160 مليون دينار.
ليس مطلوبا من الحكومة أن تقدم لقطاع الاتصالات معاملة تفضيلية؛ كان ذلك مطلوبا في مرحلة التأسيس، وقد تجاوزها القطاع بنجاح. في المقابل، لا يُعقل أن نتبنى سياسات وقرارات تساهم في هدم ما بنيناه خلال سنين، أو معاقبة قطاع لمجرد أنه يحقق نتائج طيبة.
لقد احتل هذا القطاع مرتبة متقدمة بحجم مساهمته في الاقتصاد الوطني، تفوق مكانة قطاعات تقليدية أخرى؛ واجتذب كبريات الشركات العالمية. وفي ضوء النمو الذي يشهده القطاع على المستوى العالمي، ما يزال الأردن مؤهلا لجذب المزيد من الاستثمارات. بيد أن القرارات الحكومية المتسرعة، والسياسات الضريبية المفرطة، تهدد بتراجع مكانة هذا القطاع. وتعطي النتائج المالية للعامين الماضيين مؤشرات مقلقة على تراجع عائدات الاستثمار، بلغت 12 % للعام الماضي فقط.
في اجتماع مع ممثلي شركات الاتصالات وتقنية المعلومات، صرح المتحدث باسم شركة "مايكروسوفت" في الأردن أن شركته تراجعت عن خطط سابقة للاستثمار في الأردن، بسبب قانون المطبوعات والنشر الذي أصبح "طاردا" لصناعة وشركات المحتوى، والضرر الكبير الذي ألحقه بصناعة المواقع الإلكترونية في الأردن.
بعد القرارات الحكومية الأخيرة، تتجه شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى تخفيض كبير في نفقاتها، ما ينعكس سلبا على توليد فرص عمل جديدة، وعلى صناعة الإعلان في الأردن، وتأهيل كوادر أردنية في هذه المجالات.
باختصار، ما أخذته الحكومة بيدها اليمنى، تخسر أضعافه بيدها اليسرى.
لصحيفة الغد