القدوة

القدوة
الرابط المختصر

 

 

ينظر الصغار في كل المجتمعات إلى بعض الكبار المتفوقين في سعي للاستفادة منهم ومحاكاة نجاحاتهم، وعوضاً أن تشكّل هذه النخبة ممن هم في موقع المسؤولية، أو تحت دائرة الضوء، قدوةً للأجيال المقبلة فإنهم يفشلون في مهمتهم، ويقدمون أمثلةً سيئة للآخرين.

 

وقعت حادثتان، مؤخراً، لأفراد ومجموعات من المفترض أن يكونوا قدوة لغيرهم، لكنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً؛ البرلمان الأردني الذي ناقش وأقر الأحد الماضي قانوناً يغلّظ العقوبات على من يمارس التدخين في الأماكن العامة، غير أنه استثنى قاعة مجلسه ودوواين للعشائر من هذا القرار، بذريعةٍ غير مقنعة على اعتبارها أمكنة خاصة يرتادها أعضاؤها!

 

لست هنا بصدد نقاش قانوني إن كان مجلس الأمة أو "مضافات" العشائر أمكنة عامة أم لا، وسأحاول عرْض الموضوع بمعناه الأدبي، فنواب الوطن منتخبون من الشعب ليشرعّوا قوانين تسري من دون تمييز على كل أبناء وبنات الوطن، لكنهم في لحظة ضعف أو أنانية يقومون باستثناء أنفسهم من التقييد في ما يتعلق بالتدخين في الأماكن العامة، وكأنهم غير معنيين بالأضرار التي تتسبب لغيرهم من نواب غير مدخنين ومن إعلاميين وحاضرين يستنشقون سموم دخانهم، وقد يصابون بأمراض بسببه، عطفاً على أن الضرر الذي يشكّله التدخين لهم أنفسهم، رغم أننا نعلم بأنهم يُعالجون على حساب دافع الضريبة منتفعين بالتأمين الحكومي الذي يحصلون عليه.

 

الأمر الثاني وقع في أثناء مبارة كرة قدم بين فريق الوحدات وبين فريق العهد اللبناني، الثلاثاء الماضي، في مدينة صيدا اللبنانية، إذ قام حكم المباراة العُماني بطرد حارس مرمى الوحدات عامر شفيع بسبب اعتراض الأخير على ركلة جزاء كان قد حكَم بها.

 

طرْد لاعب من مبارة كرة قدم قد لا يكون ذا أهمية، إلا أننا نتحدث هنا عن حارس مرمى المنتخب الأردني وأحد أفضل حراس المرمى في تاريخنا الكروي، كما أنها ليست أول مرة يتم معاقبة شفيع حيث عوقب مرات سابقة، كانت إحداها بعد أن دفع الحكَم، ومُنع على إثرها من اللعب سنةً تم تخفيفها بعد تدخل الأمير علي.

 

الحارس عامر شفيع لاعبٌ موهوبٌ وقد لقبه البعض بـ"حوت آسيا"، ومع زيادة الشهرة تزداد المسؤولية، ونوّاب الوطن مثل حارس المنتخب مطلوبٌ منهم أكثر بكثير مما يطلب من الشخص العادي.

 

علينا رفع مستوى القيادات، التي ننظر لها بوصفها قدوةً، وأن نطالبها بترجمة محبة الجماهير لها من خلال الانضباط والتروي وتحمّل المسؤولية.

 

بناء مجتمع متماسك يستدعي أن نشجع العادات الإيجابية، وننبذ كل ما هو سلبي. وامتناعنا عن الانتقاد لمن هم ناجحون يضرّهم على المدى البعيد، والأهم أنه يضر المجتمع الذي ينتمون إليه.

 

 

داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

أضف تعليقك