الفاقد الضريبي يغطي عجز الموازنة
بدل أن نفكر كل يوم في رفع جديد لسعر هذه السلعة أو تلك الخدمة، لتوفير ملايين إضافية للخزينة المنهكة، مع عجز في الموازنة يقارب ملياري دينار، لنفكر في كيف نقضي على الفاقد الضريبي الذي يناهز نفس المبلغ.
رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، أعلن سندا لدراسة أنجزها المجلس الاقتصادي الاجتماعي، أن الفاقد الضريبي يصل إلى مليار و900 مليون دينار، منها 700 مليون دينار تهرب ضريبي مباشر. ومع أن الرئيس وضع الدراسة وأرقامها برسم التقييم والنقد، فإننا نميل إلى البناء عليها، لأن ظاهرة التهرب الضريبي معروفة، ونراها على نطاق واسع في الحياة اليومية. أما الأرقام المقارنة مع دول أخرى، وخصوصا المتقدمة، فإنها تظهر أن الفاقد عندنا يوازي بالفعل القيمة التي توصلت إليها الدراسة.
ويتوزع الفاقد الضريبي البالغ 1.9 مليار دينار كالتالي: 834 مليون دينار إعفاءات ضريبية؛ 370 مليون دينار متأخرات ضريبية؛ 695 مليون دينار تهرب ضريبي منها 200 مليون دينار تهرب من ضريبة الدخل والأرباح، و495 مليون دينار تهرب من ضريبة المبيعات. وحسب الدراسة، تم احتساب الفاقد الضريبي على مستوى القطاعات الاقتصادية، وتبين أن الجزء الأكبر منه يتعلق بقطاع تجارة الجملة والتجزئة، وإصلاح المركبات والدراجات النارية، يليه قطاع الصناعات التحويلية.
المهم أن الدراسة جاءت في وقتها تماما، ونحن نناقش القانون الجديد لضريبة الدخل والمبيعات. إذ ستعيننا الدراسة على تحديد مواقع الخلل، والهدف بالطبع هو مكافحة التهرب الضريبي، واستعادة مصادر للضريبة ساهم القانون القائم في تحجيمها.
أريد أن أبدأ من فكرة الإعفاء الإجمالي لأول 24 ألف دينار، والتي يدرس تخفيضها قليلا؛ لأقول إن الأفضل هو العودة إلى الإعفاء على النفقات، كالتعليم والصحة وغير ذلك. فمثلا، من المعروف أن هناك تهربا واسعا في القطاع الطبي، ويمكن للطبيب أن لا يعلن عما قبضه من أجور عمليات. لكن حين يكون للمواطن إعفاء على ما يقدمه من فواتير علاج، فإنه حتما سيطلب فاتورة علاجية عن كل فلس دفعه، وسوف يضطر الطبيب إلى الإعلان عن كل أجر قبضه. بل إنني أذهب أبعد من ذلك، بجعل الإعفاء فقط على أول 6 آلاف دينار من الدخل، فيما يكون الباقي على النفقات جميعها معيناً، ولنقل 24 ألف دينار سنويا. وهذا يستوجب أن يحصل المواطن على وصل أو فاتورة بكل قرش يدفعه في المتجر أو المطعم، أو في كراج السيارات، أو لتصليح جهاز الكمبيوتر، أو للمحامي أو صاحب العقار، فنحاصر التهرب الضريبي بنسبة عالية جدا.
بالطبع، سيقول البعض إن هذا ليس عمليا، لكن على العكس. فنحن سنصنع سريعا ثقافة جديدة للتوثيق. إذ يجب أن يصبح إعطاء وصل أو فاتورة حقيقية، ممارسة سائدة في كل عملية دفع وقبض بلا استثناء. وليتصور كل واحد في حياته اليومية كم يضمن ذلك سلامة السلوك. يجب توثيق الأسعار التي تباع بها السلع فعلا في كل مكان، والأجور التي تستوفى. ويمكن ضبط التلاعب والغش، ويمكن رصد المبالغة في الأسعار، كما يمكن ضبط الدخول الحقيقية للعاملين في أي حقل. في الواقع، نحن بهذه الطريقة لا نخلق فقط رقابة فعلية كاملة في قطاع الاستهلاك والخدمات، بل أيضا ثقافة ومسؤولية حازمة، طرفاها المواطنون أنفسهم.
وللحديث صلة على مستويات أخرى للإصلاح الضريبي.