الفاتورة النفطية

الفاتورة النفطية
الرابط المختصر

«ليس المال هو ما يحرّك عجلات التجارة، بل الوقود الذي يجعل العجلات تدور بسهولة وسلاسة».

*ديفيد هيوم (فيلسوف اسكتلندي)

لأننا شعوب تعيش في عالم من المؤامرات، ترانا نفسّر كل شيء في حياتنا على أساس نظرية المؤامرة.

خطرت لي فكرة قد تكون بمنتهى السطحية والغباء أو على العكس تماماً، هي فكرة تشاؤمية للغاية، مفادها أن لا سبيل للخروج من ضائقتنا الاقتصادية بمعطياتها الحالية.

من المتوقع أن تبلغ فاتورتنا النفطية مع نهاية هذا العام نحو 4.5 مليار دولار، وهذه الفاتورة تلتهم 20% من الناتج القومي، وهي نسبة قد تكون الأعلى في العالم، بعد أن كانت قيمة الفاتورة في عام 2004 مليار دولار، ولكنها بسبب ارتفاع أسعار النفط والزيادة السكانية وتغير أنماط الحياة قفزت لأكثر من أربعة أضعاف. 

كم منكم، مثلي، يتذكر وضعه في عام 2004 بكثير من الحسرة؟ المعادلة لا يستوعبها عقل، فمع حالة الركود العالمية وصل إنتاج النفط إلى أعلى مستويات، وأكثر المتنبئين تفاؤلاً يتوقع أن نتأثر بشحة النفط ابتداء من منتصف هذا القرن، ولا يوجد لغاية الآن بديل تجاري واحد بنفس كفاءة وسعر النفط، فـ»90%» من النقل العام يعتمد عليه، وصناعات حيوية أساسية كالصناعات البلاستيكية والكيميائية تقوم عليه. وهيمنة شركات النفط على صنّاع القرار أحبطت كل محاولة جادة لاستغلال الطاقة المتجددة.

لذلك، فأي إنسان يعرف أن نوائب عالمنا من الحادي عشر من سبتمبر، واحتلال العراق وحتى إسقاط االقذافي، كلها مرتبطة بالسيطرة على منابع النفط ورفع أسعاره، والتوقعات تقول أن سعر برميل النفط سيظل مرتفعاً، وستتجاوز معدّلاته المائتي دولار خلال أعوام قليلة.

إذن، ما تريده الشركات النفطيّة وأباطرة العالم هو أن يبقى سعر النفط مرتفعاً لتدوم سيطرتهم بتأخير نفاذه. كل ذلك يقود إلى نظريتي أنه من المستحيل أن يتحسّن اقتصادنا إلاّ إذا عادت قدرتنا على شراء النفط كسابق عهدها، وهذا أمر لن يحصل.

الأردن مقبل على خطر حقيقي مع استمرار ارتفاع وزيادة الفاتورة النفطيّة، مما سيكون له آثار خطيرة على المجتمع، فلعبة الكراسي الموسيقية قد بدأت وكل يوم نضطر للتضحية بسلعة أساسية أخرى.

تقودني هذه النظرية، ولو كانت غير صحيحة، إلى تساؤلات عديدة تبحث عن إجابات صريحة شفافة، وأوّل هذه التساؤلات، ما حقيقة الشائعات التي تقول أن الأردن يطفو فوق بحر من النفط، وأنه تم اكتشاف 450 مليون برميل نفطي، وإن كانت الإجابة بإنكار هذه الشائعات، فكيف نفسـّـر ما يطلق عليه -النزازات البترولية- التي لا يمكن إنكارها في مناطق عديدة من المملكة؟.

والتساؤل الثاني أننا استبشرنا خيراً قبل سنوات عندما أُعلن أننا في الأردن سننتج بترولاً من الصخر الزيتي بحلول عام 2010، ولكننا لغاية الآن لم نر قطرة واحدة، والتساؤل الثالث أين استراتيجية الحكومات المتعاقبة في البحث عن طاقة بديلة؟ فسماء الأردن مشمسة معظم أيام السنة، بينما يصرف جزء كبير من فاتورتنا النفطية في التدفئة والإنارة، ورمالنا غنية بالسيليكا وأوديتنا زروب للرياح، فأين التوجيه والدعم للمواطن الذي يبحث عن طاقة بديلة؟ وماذا حدث لمشروع قناة البحرين التي كان من المفروض أن تولـّـد طاقة كهربائية هائلة، ولماذا نسمع أن جيراننا يستغلون الثروات التي نشترك معهم في منابعها من مياه وغيرها، ولا نسمع عن ثرواتنا الطبيعية إلا في أخبار الخصخصة وتهم الفساد، بينما يغرق في السبات كنز من النحاس يقدّر بـ»890» مليون دولار في وادي فينان؟.

لدى كل مواطن منا قناعة أننا نملك كُلاًّ من الوقود وبدائله، وهذا ما يزيد من إحباطه مع استمرار ارتفاع الأسعار وفي غياب المعلومات الموثوقة والاستراتيجية المدروسة والعمل المضني قبل فوات الأوان.

الدستور

أضف تعليقك