العودة إلى "السلم والشجرة"!

العودة إلى "السلم والشجرة"!
الرابط المختصر

بإعلان جماعة الإخوان المسلمين أول من أمس تعليق مشاركتها في الانتخابات البلدية، ووضعها شروطاً (بعضها صعب عملياً)، نكون قد عدنا إلى قصة "أعلى الشجرة" ومن يضع السلّم للآخر، الدولة أم الجماعة.

البعض يرى أنّ شروط الجماعة تعجيزية، بخاصة أنّها تأتي ومجلس الأعيان بصدد الانتهاء من إقرار التعديلات، ما يعني 
–في المدى المنظور- "استحالة العودة عنها"، وهو ما يجعل من "المقاطعة" الإخوانية تحصيل حاصل.

في المقابل، من يرجع إلى الأشهر الماضية، فلن يجد موقف الجماعة مفاجئاً ولا غريباً، إذ إنّها أرسلت تحذيرات وبرقيات واضحة توحي بهذا التوجه، ولم يتم استقبالها بصورة جديّة وسريعة من مراكز القرار في الدولة التي غرقت –كالعادة- في "جدل بيزنطي" فيما إذا كان الإخوان سيقاطعون فعلاًَ أم أنّ الأمر لا يعدو تهديداً لدفع الدولة تجاه الجماعة، وفيما إذا كانت مقاطعتهم مؤثرة أم أنّها غير مهمة!

المفارقة أنّ "مراكز القرار" ارتكبت الخطأ نفسه، مرة أخرى، في الانتخابات النيابية 2010، عندما تجاهلت أهمية الإخوان بوصفهم حزب المعارضة الرئيس وممثلا لشريحة واسعة ولونا مهما في المشهد السياسي، وتباطأت الحكومة وترددت حتى وصلت إلى "الوقت الضائع"، الذي بات فيه تراجع أي طرف أمراً صعباً.

لا نريد أن نقف هنا عند سؤال: من يتحمل المسؤولية؟ فالدولة لها رأيها وحججها، والجماعة كذلك، لكن المؤسف أنّ هذا "السيناريو" كان متوقعاً ومطروحاً بقوة، بخاصة في الأيام الماضية، ولم تحرّك الدولة ساكناً لتداركه، بفتح حوار استراتيجي مع الجماعة وتأجيل اتخاذ مثل هذا القرار، الذي لا يجادل إلاّ المكابرون بأنّه سيؤثر على مصداقية المرحلة المقبلة ونوايا الدولة في الإصلاح ومستوى المشاركة الشعبية.

المشكلة تكمن، أولاً وأخيراً، بالعقلية الرسمية التي ما تزال رهاناتها وأفكارها متحجرة عند المرحلة السابقة، فلا تتعامل مع "الجماعة" إلاّ بمنطق التشكيك والخصومة والتهويل من "نواياها الانقلابية"، من دون أن تحاول أن تفهم بعمق وروية طبيعة التحولات في خطاب الجماعة وسلوكها، وفيما إذا كان انقلاباً أم تطوراً باتجاه آخر مثلاً!

نعم، الجماعة تغيرت. لكن بأي اتجاه؟ هذا هو السؤال. وربما يلخّص أحد قادة الجماعة ذلك بجملة واحدة تتمثل بـ"التحول من جماعة دعوية إلى حزب سياسي محترف". ومن يعود إلى الخطة الاستراتيجية التي تم صوغها قبل الربيع العربي وأقرت في شهر آذار (مارس) الماضي، يجد أن جوهرها توافق نخب الجماعة على أولوية الإصلاح السياسي وأهميته وتحديد مضامينه بصورة دقيقة.

بالمناسبة، خطاب الجماعة في تلك الخطة لم يختلف بعدها أبداً، أي أنّ هذا السقف تحدّد قبل موجة الربيع الديمقراطي العربي وليس بعده، ويمكن العودة إلى ذلك المشروع، الذي ناقشته مفصّلاً في دراستي "الإخوان المسلمون ما بعد مقاطعة الانتخابات النيابية 2010: إعادة ترسيم الدور السياسي للحركة" (أوراق مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية).

إذن، هذه المواقف لم تكن مفاجئة ولا خطة انقلاب سريّة، بل هي رؤية استراتيجية معلنة وواضحة، ومتوافق عليها ضمن أطر الجماعة. وإذا كانت الدولة تفاجأت بها، أو لم تفهمها (على الأغلب)، فهذه مشكلة حقيقية في مراكز القرار التي أدمنت التقارير والوصفات المعلّبة الجاهزة في إطلاق الأحكام الخاطئة والفاشلة، كما حدث عندما أعطت تلك التقارير "مطبخ القرار" تقييماً خاطئاً فأكدت على مشاركة الجماعة في الانتخابات 2010!

أخطر ما في الأمر أنّ هذا القرار (تعليق المشاركة) سينسحب على الانتخابات النيابية، ما يعني أنّ هنالك ضرورة ماسة لفتح حوار استراتيجي معمّق مع الجماعة قبل فوات الأوان.

الغد

أضف تعليقك