العنف النيابي هل يصبح ظاهرة ؟
إنهاء "المراضاة" وتبويس اللحى وإحالة النائب المعتدي إلى القضاء لينال جزاءه
لم تعد تطاق الشتائم النابية التي يوجهها النواب إلى زملائهم تحت القبة، لم تعد مسلية أو مضحكة تلك الكاسات والأوراق المتطايرة أو البوكسات أو "المباطحات"، فقد أصبحت تلك الممارسات السلبية يومية، والأمر بات مهزلة متكررة سئمها الأردنيون، وأصبحت تأكل من رصيد النظام السياسي والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتسيء للنظام الديمقراطي، وعموم العمل السياسي والنيابي والحزبي.
والواضح أن العنف المادي والمعنوي يرتكب أو يتسبب به عدد من النواب لا يزيدون على أصابع اليد الواحدة، وهم معروفون للجميع، لكن لا رادع لهم، وبات بعضهم يتصرف وكأنه في حلبة مصارعة ثيران أو"سيرك"، وعليه أن يسلّي الناس من حوله، وهو يعتقد أنهم ينتظرون "غزواته" اليومية بفارغ الصبر.
والغريب أن هناك بعض الأشخاص باتوا يترصدون لرئيس الحكومة في كل كلمة، وحتى منعه من العمل أو الكلام. وفي المقابل هناك من يحاول أن يوحي للآخرين بأنه حامي الرئيس والذائد عن حماه، وهذا كلام في غاية الخطورة، أن يكون رئيس الحكومة مستهدفا أو لديه من يدافع عنه، فرئيس الحكومة هو لكل الأردنيين بحكم ولايته الدستورية، ولا يجوز لأيّ كان "إهانته" أو إعاقة عمله أو الادعاء بحمايته.
ووصل الأمر عند بعضهم أمس أن أعلن أنه سيستمر في افتعال المشاكل والمعارك تحت القبة حتى يتم حل مجلس النواب، يا الله، هل وصلنا إلى هذا الحد؟ هل يستطيع شخص أن يدّعي أنه قادر على إقالة الحكومة، أو تعطيل عملها، أو حل مجلس النواب؟ هذا كلام لم يعد مقبولا، ماذا سنترك بعدها للناس في الشوارع؟
لقد كان رئيس الحكومة مهذبا حتى في رده على النواب بعد نيله الثقة، وآثر الصمت على الجراح والاتهامات، بل و"بلعها"، حتى أنه اعتبر ممارسات بعض النواب في شتمه "ممارسة ديمقراطية في أبهى صورها"، وهي ليست كذلك، وفي جلسة الأحد، وبعد محاولات منعه من الكلام، عبّر عن جزعه بأنه "ليس مذياعا" يُفتح ويُغلق كما يشاء، وكل ما يستطيع قوله الاستنكار فقط: هل يقبل معالي الرئيس (السرور) هكذا تصرف ؟
طبعا رئيس مجلس النواب المهندس سعد هايل السرور، لم يقبل بتلك التصرفات، واعتبرها فورا "لا حوارا ولا نقاشا، وهي ليست ديمقراطية"، واعتذر للأردنيين والإعلاميين عن الإساءة. والمؤلم أن رئيس المجلس لا يملك من الأدوات الدستورية أو القانونية ما يساعده على تخفيف العنف النيابي، أو منعه، أو ردع النائب المتمادي على زملائه، فالنائب حر فيما يقول، أو يتصرف تحت القبة.
فهل النائب حر في الإساءة للآخرين (حكومة أم نوابا أم مواطنين)، أو ضربهم والتهجم عليهم، أو إعاقة عملهم؟ حرية النائب وحصانته الدستورية جزء مهم من منظومة العمل الديمقراطي، لكن الحصانة مرتبطة بممارسة النائب لدوره الرقابي أو التشريعي تحت القبة وليس في إيذاء الآخرين أو شتمهم أو إهانتهم أو أكل حقوقهم أو الاحتيال عليهم. ما الحل؟
سيلقي الكثيرون التبعية على قانون الانتخاب الذي أفرز نوابا ليسوا أصحاب خبرة أو غير مؤهلين لأدوارهم، وسيقول آخرون إن المال السياسي يصنع هكذا نماذج، وإن غياب العمل الحزبي وبالتالي الكتل النيابية يقوي العمل الفردي داخل البرلمان، ويجعل التصرفات الهوجاء مطلبا للفت الانتباه وإثبات الوجود عندما تغيب الحجة والمنطق والحنكة في التعامل مع الآخرين.
الحل الفوري موجود، هو أن تنتهي عملية "المراضاة"، وتبويس اللحى، ومساواة المعتدي بالضحية، وأن يقرر المجلس النيابي إحالة كل نائب يشتم زميله أو يضربه إلى المدعي العام، وبالتالي رفع الحصانة النيابية عنه فورا لأنه مطلوب في قضية جنائية لا علاقة لها بممارسة دوره البرلماني، وعليه أن يذهب لمواجهة القضاء وينال عقابه.
العرب اليوم