العنف المجتمعي..لجنة وزارية لا تكفي
الظاهرة تعبير عن مشكلة سياسية معالجتها تحتاج الى مراجعة شاملة .
عقدت اللجنة الوزارية - المكلفة بدراسة ظاهرة العنف المجتمعي - اجتماعها الأول الخميس الماضي كرسته لوضع منهجية العمل التي ستكون "علمية واضحة مستعينة في ذلك بلجنة فنية" وتنوي اللجنة ايضا تكليف مختصين لتقديم رؤيتهم عن الظاهرة وبعدها تحدد اللجنة التوصيات اللازمة كي ترفعها الى مجلس الوزراء لاقرارها.
لا اعتقد ان الأمر بهذه البساطة,فنحن لسنا امام مشكلة محدودة تخص منطقة او فئة من دون غيرها فالظاهرة معقدة ومتداخلة وتأخذ اشكالا ومستويات عديدة وتتجلى في كثر من مظهر وسلوك, واللجان الحكومية تُشَكَّل في العادة لدراسة قضايا محدودة تخص عمل القطاعات الرسمية, اما الظاهرة التي نحن بصددها فهي اوسع واشمل وتخص علاقة الدولة بالمجتمع وما طرأ عليها من تبدلات في السنوات الاخيرة, والسياسات التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, والدور الذي لعبته القوى النافذة في الدولة. كل هذه العناوين وغيرها الكثير تجعل من ظاهرة العنف المجتمعي مسألة سياسية بامتياز لا تستطيع لجنة وزارية مهما امتلكت من القدرات والكفاءات ان تتصدى لمعالجتها.
تشكيل اللجنة يعد اقرارا من طرف الحكومة بوجود مشكلة "ظاهرة" وهذا موقف ايجابي لان المسؤولين انكروا ذلك في السابق واعتبروا ما يجري مجرد حالات فردية معزولة.
وعلى المستوى التشريعي اتخذ مجلس الوزراء خطوات جيدة تمثلت بتعديل قانون العقوبات وتغليظها على المتورطين في قضايا العنف المجتمعي.
غير ان المحللين يَشُكُّون في قدرة هذه الاجراءات على تحقيق اثر ملموس في المرحلة الحالية.
ويرى هؤلاء ان المحافظة على السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي يتطلبات مقاربة سياسية جديدة تعيد للمؤسسات هيبتها وللقيادات دورها المؤثر وللعلاقة بين المواطن والدولة الثقة المطلوبة.
الحكومة الحالية كما الحكومات السابقة تتحمل مسؤولية مباشرة في اختلال تلك المعادلات. وتقدم نتائج استطلاعات الرأي منذ سنوات مؤشرات مقلقة على تنامي فجوة الثقة بين المواطنين والحكومات والاخفاق في تطبيق مفاهيم سيادة القانون الى جانب الفشل في تحقيق الوعود بتحسين مستوى معيشة الناس.
بهذا المعنى فان الحكومة جزء من المشكلة لا طرفا في الحل. ومن المستبعد ان تتجرأ لجنة وزارية على انتقاد سياسات الحكومة والأجهزة التابعة لها او ان توصي بمراجعة دورها.
لمواجهة الظاهرة نحتاج للجنة وطنية على غرار لجنة "فينوغراد" التي شُكِّلت في اسرائيل بعد اخفاق جيشها في عدوان تموز 2006 على لبنان, لجنة للمساءلة والمحاسبة والمراجعة لاداء الحكومات في السنوات الاخيرة, لان الظاهرة التي نحن بصددها ما هي الا مظهر لحالة عامة من الفشل والارتباك على كل المستويات. نحتاج الى لجنة تسمي الأشياء باسمائها الحقيقية من دون مواربة او مداراة, وتضع يدها على الجراح المؤلمة والأخطاء التي ارتكبت في ادارة الشأن العام. وينبغي ان تكون لجنة محصنة ومستقلة ويكون تقريرها بمثابة وثيقة وطنية لمراجعة الأداء العام وتصويب الاختلال في مسيرة البلاد.