العلم والدين يُصلبان في نقابة المهندسين

العلم والدين يُصلبان في نقابة المهندسين
الرابط المختصر

Noli,turbare circulos meos""، أي: من فضلك لا تفسد دوائري.

هذه العبارة التي قالها أرخميدس قبل زمن طويل جداً، عام 212 قبل الميلاد، أدّت إلى مقتله لأنه رفض الانصياع لجندي روماني طلب منه وقف التفكير في مخطط آلة كان يرسمه على الرمل، والمضي معه.

منذ زمن طويل إذن، والبشرية تقرأ باسم ربها الذي خلق، فتفكر وتعمل وتخترع، وما من عبادة تضاهي العلم، لكن، بقدر ما يحث الدين على العلم، فإنه لا يتدّخل فيه، ولا يزاحمه. فإن حصل وجاء فكرٌ يصر على إثبات العلم بالدين، والدين بالعلم، فإنه ولا بدّ، سيختلط عليه الأمر، ولن يسلم أي منهما من هذا الخلط.

لا يتلاقيان ولا يتعارضان، فلا صلاحية للإنسان ولا إعمار له ولا نجاة، إن لم يتعلّم، وربما لا راحة له، إن لم يؤمن، غير أن نقابة المهندسين الأردنيين، صاحبة جدول النشاطات المعلن على موقعها الإلكتروني في شبكة الإنترنت، الذي يحفل بندوات تتحدث عن الإعجاز الديني، لا تنفك تظن من خلال أفراد أو جماعات يديرون نشاطاتها، أن إثبات إعجاز القرآن، شأن علمي، متناسين صرف الله لخلقه عن محاولة إثبات الإعجاز، بجعل النص مفارقاً عنهم وعن علمهم بقوله تعالى: "قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].

إذن، لم يطالب الله تعالى بشره وخلقه بإثبات الإعجاز أو تحرّي ثوابت ونتائج التجارب العلمية الحديثة في كتابه المعجز والمنزه عن إثبات صحته وإعجازه بالعلم. لكن نقابة المهندسين، التي تحتاج إلى تكثيف جهود مهندسيها لتجاوز العمل الخدماتي في الأردن، ومحاولة إيجاد حلول علمية وعقلانية لمشاكل هندسية واقتصادية ويومية عديدة، أصرّت على عقد ندوة بعنوان "البرق والرعد في القرآن الكريم"، للدكتور المصري زغلول النجار، الذي يدعي دون طائل أو منطق، أننا بحاجة لإثبات إعجاز القرآن، وكأن القرآن الكريم "ينقصه الإعجاز"!

أصوات عديدة عارضت الندوة قبل أن تعقد، مثقفون، كتاب ومتابعون وناشطون، مهندسون كذلك، وفي فضاء الاجتماع العام، لا مكان للدوعمائية، إذ يحق لكل أكثرية أو أقلية، ولو على مستوى الفرد الواحد، أن يتمسك برأيه ومعتقده، على ألا يقصي سواه في هذا الفضاء، وألا بفرض ما يراه حقاً على غيره.

وأغلب الظن أن الدعوات المسبقة التي طالبت بعدم عقد الندوة، كانت قد استشرفت ضعف مقولات النجار وأفكاره التي تصر على جمع العلم والدين في غير مرة، أقربها محاضرته السابقة في المغرب، حيث تعرّض إلى أسئلة من طلاب جامعيين حضروا الندوة، التي انتهت باتهامه للطلاب بالجهل، ذلك أنه لم يوفّق في الإجابة على أسئلتهم، رغم حمله للدكتوراه في علوم الأرض، ومشاركاته العلمية على مستوى العالم، لنصف قرن من الزمان.

 ومن الطبيعي أن يحدث هذا، إذ يصر الرجل على تقييف العلم، وتمزيقه ومحاولة رتقه، ليصير على مقاس النص الديني، فيسيء للنص، والعلم، بل ويبدو كمن يحاول تعريتهما كلٌ من قيمته، وينتهي به الحال كل مرة، لاتهام من يحاضر فيهم بالجهل!! وهذا ما تكرّر قبل يومين، في محاضرته في النقابة، لكن هذه المرة، على لسان بعض من مؤيديه، الذين حقروا بعض الموجودين بمنعهم عن سؤال المحاضر واتهموهم بالجهل، وانتهت الندوة بخسارة للقيم الاجتماعية، وللفتوحات العلمية.

 مهندسة أردنية، وفي مقاطع فيديو من المحاضرة، والذي تم تناقله على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، طالبت بحقها بطرح سؤال على الدكتور النجار حول ما شرحه في المحاضرة عن النيتروجين الذي يحرّره البرق، واختلاطه بماء المطر، مما يفيد التربة، إذ تحدثت عن كونها مهندسة كيميائية بخبرة في التربة والري، وأن أحد أخطر ما يهدد الزراعة، هو المطر الحمضي "ماء مؤكسد، نيتروجين".

 مُنعت المهندسة من طرح سؤالها هذا، كما منع من في القاعة من طرح الأسئلة، حيث قال عديدون أن أسئلة مكتوبة على ورق ولا تثير الجدل أو التفكير، كانت معدّة مسبقاً. وقد أدّى هذا القمع، إلى تعالي الأصوات بين المنظّمين والحضور، ومحاولة تحقير وطرد بعض الحضور من قبل المنظمين، فيما اتهم بعض الحضور النجار بـ"الدجل".

 لا يمكن ببساطة، التحدث عن العلم بقدسية، وتحميله مرتبة تعادل مرتبة الدين، وكأن الإنسان كامل أوتي كل العلم، فلا هو بحاجة للتفكير والمعرفة، ولا هو بحاجة إلى "مخافة الله"، إن كان زغلول النجار يقوم بعمله العلمي مخافة لله، فإنه وعلى العكس، يشوّه صورة الله في عقول الناس التي حثها الخالق على المعرفة بلا توقف.

 محاضرات تنتهي بالخلاف، واتهام مهندسين وأناس يحاولون طرح الأسئلة بأنهم جهلة، في إساءة واضحة للعلم والعقل، واستغلال يسيء للدين، وإفراغ للعلاقات الاجتماعية من أجل تعبئتها بالعنف، بعقد ندوة دينية في معقل للعلم، لاحاجة بالدين إليه، ولاحاجة له ليستنجد به، كأن واحدهما يريد أن يطغى على الآخر، أو بالأحرى، هناك من يسعى لذلك، فيبقي الزمن متوقفاً، ويحيل الناس لإقصاء وإيذاء بعضهم، فلا علم ينتفعون به، ولا دين يتجلى في الخلق والمعاملة.

 

عاصف الخالدي: باحث وكاتب من الأردن.   

أضف تعليقك