العقد الاجتماعي المفقود؛ بين ماركيز والحكومة

العقد الاجتماعي المفقود؛ بين ماركيز والحكومة
الرابط المختصر

الأمن والحماية، العلمانيون والدينيون، هذه الكلمات الأربع، تتكرّر كلما نزل مواطنون أردنيون إلى الشارع، سواء في اعتصامات أو مظاهرات، مطلبية كانت أو مناطقية أو مثل تظاهرات الأسبوع الماضي، والتي لقيت إجماعاً ما وترحيباً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المواطنين، وكانت فرض كفاية في الشارع العام في يوم التظاهرات، إضافة إلى الحديث المتنوّع عن أهدافها العامة، كمواجهة ارتفاع الأسعار، والأهداف الخاصة لبعض من يحركون مفاصل ما فيها، إن كان هذا صحيحاً.

من الجدير بالملاحظة، أن هذه الاحتجاجات الشعبية، على أحقيتها أو بساطتها، تثير ذات الجدل في كلّ مرة؛ جدل بات يتكرر منذ أعوام انقضت حتى الآن على بداية الانتفاضات العربية، ويتعلق هذا الجدل تحديداً، بإسباغ الصفات، دينية تارة، وعلمانية تارة أخرى، رغم أن المطالبة بشعارات كالعدالة والحقوق والحلول الاقتصادية، لا تحتاج إلى صفات كهذه، فهي في مضمونها أعمق من إسباغ أي صفة تفريقية أو تسمية سياسية.

وعلى أرض الواقع، فإن الجانب الفكري مغيب تقريباً عن المشهد بشكل عام، ولا بد إلى من يلقي نظرة على المجتمع الأردني، أن يرى بوضوح أن عقده الاجتماعي ليس واضح المعالم، ويتمثل هذا في علاقته بالحكومة، وفي ردود أفعاله وهو يمارس احتجاجاته المباشرة على سياساتها، يستمر بالتساؤل والقلق المتردد، عن الأمن والأمان الذي يعد نعمة من النعم كما يقال. وهي هبة تقدمها السلطة بالطبع من خلال مبدأ الحماية القائم على بقاء مصالح الحكومة ورغباتها وسقطاتها الاقتصادية مقابل انصياع المواطن للحصول على هذه النعمة.

 لا أظن ضمن السياق أن كلمة نعمة تأتي مجرد مصادفة، فهي قابعة منذ زمن في العقل الجمعي لأفراد مجتمع شهد منذ أمدٍ طويل تحالفاً مفتوحاً بين مؤسسات الدين ومؤسسات الحكومة، مما ضمن مكاسب اجتماعية وسياسية واقتصادية للطرفين اللذين يحتكران صناعة المعرفة والحقيقة، فيما يتقلب المواطن بينهما كمتلقٍ بائس.

إن المطالبة بحقوق المواطنين، ومنها الحماية غير المشروطة، والحماية القائمة على الوعي والاستيعاب وحماية التنوع الفكري والديني والمناطقي إن وجد! هو واجب طبيعي على السلطة ضمن أي عقد اجتماعي مبرم مع الشعب. لكن الذي يحصل، ويتكرر، يكمن في استغلال هذه "المناطقية" وهي اختراع حكومي غالباً وتم تبنيه شعبياً، ربما بفعل التراكم. ويكمن في استغلالها في محاصصات مناصبية حكومية وغيرها، كما يتم ترك الاختلاف الديني أو العرقي أو الثقافي وإلخ، ليكون أداة خلاف لا مجرد تنوع طبيعي ومقبول.

الشواهد على هذه السياسات وتفكيكها للمجتمع عديدة، وأبسطها يتمثّل في قضية تغيير مناهج التعليم في الأردن، والتناقض الكبير الذي أظهرته ردود الفعل الشعبية على هذا القرار، حيث ترى أفراداً يطالبون بحرية الفكر والعقيدة وحلول اقتصادية، ويرفضون في المقابل تغيير مناهج تعليمية هم بأمس الحاجة إلى معالجتها ما داموا  ينادون بتلك الحقوق والمطالب بحق.

يبقى القول بأن توماس هوبز، وجان لوك، اتفقا أن العقد الاجتماعي يكمن في أن الإنسان يحتاج إلى سلطة تدير شؤونه العامة، وتخرجه مما سمياه "مرحلة ما قبل الحكومة"، حيث يكون الإنسان فيها عرضة لخطر من أي شخص، ويكون صاحب مصلحة ذاتية بحتة، ويكون فقيراً ومتوحشاً.

أما غابرييل غارسيا ماركيز، الروائي العظيم، فقد قال في روايته مئة عام من العزلة: "قبل أن توجد الحكومة، لم نكن نتشاجر، ولم نكن نعرف المشاكل، ولم يحقد أحد على أحد"! وهذا الذي كتبه ماركيز، يتفق معه جان جاك روسو في رؤيته للعقد الاجتماعي غير المشروط بمرحلة سابقة ولاحقة للحكومة، السؤال البسيط الذي يطرح نفسه: في أي مرحلة يقع المجتمع الأردني ومواطنه الآن، بعد كل ما حصل ويحصل؟

عاصف الخالدي: روائي ومترجم أردني.