العطار وما أفسد الدهر!
في أروقة مطبخ القرار تحضيرٌ لعلاقة نوعية مختلفة بين الحكومة والمجلس الجديد، ستدخل الحكومة إليها عبر مدونة سلوك تحول دون تأطير القنوات الخلفية بين الوزراء والنواب في شبكة من المصالح الشخصية والخدماتية، وتمثَّل ذلك سابقاً بامتيازات كبيرة كان يحصل عليها النواب مقابل ضمان الحكومة للأغلبية في المجلس.
وفقاً لهذا التفكير الجديد، فإنّ تلك العلاقة الزبونية هي التي أضعفت صورة مجلس النواب وهزّته أمام الرأي العام، لذلك فالمطلوب وجود قرار حكومي واضح بتغيير صيغة العلاقة من ناحية، ووزير شؤون برلمانية مؤمن بهذا النهج الجديد، وليس بالطريقة التقليدية من شراء ولاء النواب، ورئاسة مجلس لا تعتمد مبدأ الامتيازات غير المبررة عبر المفاوضات الخلفية مع الحكومة أو عن طريق تشكيل اللجان وتحديد المكافآت الإضافية لتمرير السياسات الرسمية.
بالضرورة، تقر أوساط القرار بأنّ العلاقة الجديدة ستؤدي إلى مشكلات أكبر لدى الحكومة في مواجهة النواب وتضعها أمام مجلس مشاكس ومزعج غير مروّض رسمياً، ومع ذلك فإنّ هذه الصورة أفضل من التدهور المستمر في سمعة المجلس لدى الرأي العام، فليس ضرورياً أن تحوز الحكومة الثقة بأغلبية كبيرة أو تحصل الموازنة على النسبة نفسها، ولا ضير في وجود حوار ساخن مع المجلس لاحتواء الاحتقان والإحباط الاقتصادي والاجتماعي خارجه.
لكن السؤال: إلى أي مدى ستنجح هذه الرؤية، إذا ما فرضنا أن الحكومة ستمضي فيها إلى النهاية، ولن تستسلم إلى إغراءات العلاقة المريحة والقنوات الخلفية؟
الجواب على ذلك يعتمد، بدرجة رئيسة، على مجلس النواب نفسه، فيما إذا كان سيوفر من طرفه شريكاً في هذه العلاقة، أم أنّه سيدفع الحكومة إلى العودة للصيغة السابقة باعتبارها الأكثر اتساقاً مع مخرجات قانون الصوت الواحد وغياب البرامج الحزبية والسياسية لدى أعضاء المجلس.
لا نريد المصادرة على المرحلة الجديدة مسبقاً، لكن العملية تبدو أكثر تعقيداً وصعوبة مع مجلس نواب أغلب أعضائه لم يأتوا من الحديقة الحزبية والسياسية وغير متمرسين في العمل العام، بقدر ما يعكسون مصالح شخصية واجتماعية وجهوية، وكأنّ المطلوب من التجربة البرلمانية توفير بيئة للتدريب والتعليم وليس التشريع والرقابة المحترفة!
على أيّ حال أحد المؤشرات الرئيسة يتمثل في العناوين القادمة داخل المجلس، التي ستعتمد على لعبة الاستقطاب الجارية الآن لتوسيع الكتل النيابية وتعزيزها، وتحديد الاتجاهات التي ستتعامل معها الحكومة خلال المرحلة المقبلة، بدلاً من التعامل مع أفراد لكل منهم مطالبه الخاصة.
إلى الآن يبدو التنافس شديداً بين التيار الوطني الذي لم يعد خياراً للدولة، بما تشي به سلسلة البراءة من نواب متتاليين من كتلته، وهو ما يفرض سؤالاً حول تماسك الكتلة لاحقاً، في المقابل هنالك كتلة مساواة التي يبدو أنّها في الطريق إلى وراثة كتلة الإخاء من المجلس السابق، لكن مع عدم وجود وجهة سياسية واضحة لها.
على الطرف الآخر هنالك نواة لكتلة تضم ثمانية نواب من جذور يسارية (مع النائب عبلة أبو علبة)، يحاولون ملء مقعد المعارضة في المجلس، ومع أنّ بعضهم يمكن أن يقدّم أداء نيابياً لافتاً، لكنهم بالضرورة لن يشكلوا معارضة مقنعة أمام الشارع، فقد غادر أغلبهم المربع اليساري منذ زمن، وهم أقرب إلى التصالح مع السياسات الرسمية من تقديم بديل حقيقي للمسارات الحالية.
الأيام المقبلة، إذن، ستكون حافلة بالتغييرات الحكومية والاستقطاب النيابي وستمنحنا منظوراً أفضل فيما إذا كانت هنالك فروق عن المرحلة السابقة أم أنّنا ما نزال ندور حول أنفسنا!
span style=color: #ff0000;الغد/span