العصبية الجديدة والمجتمعات الطلابية

العصبية الجديدة والمجتمعات الطلابية

أزمة التحولات المزمنة في المجتمع الأردني، تصل اليوم إلى ظاهرة باتت في مراحل تشكلها الأخير، ويمكن ان نطلق عليها مسمى (العصبية الجديدة)، وهي مزيج اجتماعي سياسي اقتصادي يحدد معايير ردود الأفعال على الأحداث، ويصوغ المواقف الجماعية والفردية وفق مرجعية يشكلها نمط طارئ من العصبية التي لم يألفها المجتمع الأردني رغم ما نحفل به من محاولات حثيثة لنسبها للأنماط القرابية والبنى العشائرية التقليدية.

وإذا كانت جذور هذه الظاهرة تكمن في البنية الاقتصادية– الاجتماعية وما نالها من تحولات خلال العقدين الماضيين، ومن إزاحة وتفريغ من دون القدرة على الإحلال والتجدد في علاقة الدولة بالمجتمع، وعلاقة المجتمع بالسوق، فإن تشكل هذه الظاهرة أخذ ينضج باستعارة أدوات اجتماعية وسياسية من سياقها، مثل رمزية العشيرة ودورها الاجتماعي وتوظيفها في سياق جديد إلى جانب العودة والتقهقر نحو الأطر المرجعية الأولية.

المجتمعات الطلابية تقدم صورة أكثر شفافية وجرأة عن أحوال المجتمع، حيث تسودها ثقافة سياسية واجتماعية مشوهة، إلى جانب أنماط من السلوك اليومي الذي تمارسه المؤسسة التعليمية وكوادرها وإدارتها العليا، القائم على الاسترضاء والانتقائية المخجلة في تطبيق القانون والرضوخ للابتزاز، وتراجع قيم الجدارة والكفاءة في مؤسسات يفترض أن تكون هي المولدة لهذه القيم؛ هذه البيئة في الجامعات وغيرها هي التي أنتجت العصبية الجديدة التي تهدر اليوم من رصيد قوة الدولة ومستقبل أجيالها.

انعكس تنامي العصبية الجديدة وسط المجتمعات الطلابية في الأنماط الثقافية، وعلى رأسها نمط الحياة اليومية وما تحمله من سلوك ومضامين رمزية، تعبر عن هذه النزعة ولا تكتفي عند الحد الذي يعبر عن مضامين العلاقات الاجتماعية في أبعادها القرابية والعشائرية، بل يتعدى ذلك ليشمل مضامين تفاعلية ذات أبعاد سياسية، تعبر عن نمط توزيع القوة والعنف المفرط.

بالفعل، الحركات الطلابية موجودة في التاريخ الحديث والمعاصر، وكانت رأس الحربة التي قادت التحولات الثقافية والاجتماعية في جهات متعددة من العالم، واستخدمت العنف أحيانا، لكن تلك الحركات، كما هو الحال في الحركة الطلابية الفرنسية 1968 والحركة الطلابية الألمانية، وأخيرا الحركات الطلابية الصينية، كانت حركات احتجاجية تحمل مضامين ثقافية واجتماعية تدعو إلى التغيير والتقدم وليس مجرد عنف بدائي.

تشير إحدى الدراسات الحديثة أن (72.3%) من طلبة الجامعات الأردنية لديهم نزعة تعصبية متوسطة وشديدة، حيث نمت هذه التحولات وسط بيئة مساندة جعلت الجامعات الأكثر حضورا، والأسوأ حظا في التعبير عن هذه الأزمة المجتمعية نتيجة أزمة الجامعات الذاتية وتراجعها من بيئة خلاقة لقيم التقدم والتغيير الإيجابي إلى بيئات مصدرة للعنف والقيم السلبية.

يمكن رصد بعض مظاهر العصبية الجديدة في المجتمعات الطلابية بالأمثلة الآتية:

 

غياب الأطر المرجعية القانونية والأخلاقية والعلمية في علاقة الطلبة بالجامعات، في ضوء تراجع قدرة هذه المؤسسات على النفاذ القانوني والأخلاقي والعلمي داخل المجتمعات الطلابية، ما ساهم في تراجع مكانة الجامعة في ممارسة الضبط والإكراه الاجتماعي والثقافي الذي يعد الدور الأساسي لمؤسسات التنشئة الاجتماعية.

ممارسة أشكال متعددة من النزعات التعصبية الأولية المعبرة عن نمط من الإحباط الاجتماعي من خلال تحميل الآخرين كل أسباب المصائب والمشاكل، وسيادة نزعة ثأرية من دون قضية واضحة تجعل من كل شيء يحيط بالمجتمع الطلابي، موضوعا للعار والصمم الاجتماعي.

النزعة الشديدة في تصنيف الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والعاملين في الجامعات بشكل مفرط، على خلفيات جهوية وعشائرية وإقليمية، وبروز مسافات اجتماعية وثقافية في التباعد أو الاقتراب بين الطلبة، ما يولد التنافس السلبي والصراعات اليومية.

المبالغة في الخوف من الفوارق القائمة بين الجماعات الطلابية على خلفيات المرجعيات الأولية، وهذه المبالغات لا تقف على علاقات الطلبة بعضهم بعضا، بل تتجاوز ذلك في تعامل الجامعة معهم.

أضف تعليقك