العشائرية واللامركزية: تعارض يدير الأزمة ولا يحلها

العشائرية واللامركزية: تعارض يدير الأزمة ولا يحلها
الرابط المختصر

يُغير الزمان ما يمكن إدراكه، إضافة إلى أنه يغير ما لا يمكن إدراكه، بهذا، يمكن الإحساس بالفرق في الزمن، لكن إدارة الأزمة المزمنة، لا حلّها، بحيث لا تتغير مفاصلها، وتبقى تتكرر، يبقي الزمن متوقفاً، مما يجر المتأمل في الواقع، إلى الماضي كل مرة.

 في الأردن، سوف تعقد الانتخابات اللامركزية منتصف الشهر الحالي، وهي الانتخابات التي تعقد وفق نظام تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار على المستوى المحلي بعيداً عن مراكز صنع القرار. كما تأمل الحكومة في تخفيف الضغط عن السلطة التنفيذية في العاصمة، وتوزيع ثقل صناعة القرار وتحديد الأولويات الاستثمارية في المحافظات.

 لكن، هل يمكن تحقيق سمات هذه اللامركزية، في ظل اعتماد مرشحي هذه الانتخابات على العشائرية كرافعة أساسية تكاد تكون أداتهم الوحيدة، لتحصيل أكبر عدد من الاصوات؟

إن أبسط وأول ما يتبادر إلى "العقل" الأردني المنخرط في المجتمع منذ زمن، هو أن القاعدة العشائرية تغني المرشح عن وضع أي برنامج حقيقي أو خطة مدروسة لتنفيذها في إدارة عمله الانتخابي، مقابل سهولة إطلاق شعارات تنفيذية يمكن التغاضي عن معظمها بمجرد نجاح المرشح، ومن ثم فإن نجاحه، يمنحه القدرة فيما بعد على تكوين علاقات إدارية تمكنه من إسكات الأعضاء الأساسيين من ناخبيه بتنفيذ بعض مطالبهم وتقديم بعض الخدمات لهم.

 هؤلاء الأعضاء الأساسيون، أي الأشخاص الذين ساهموا في جمع أصوات أفراد العشيرة حول هذا المرشح، يذهبون هم أيضاً  تجاه تحقيق مجموعة من المصالح الفرعية، وهكذا، فإن رؤية أساسية من رؤى اللامركزية، القائمة على توزيع فرص الاستثمار، ومشاركة المواطنين دون فرق في صناعة القرار، تعود إلى سطوة مركزيتها دون تحقيق أي هدف، وذلك بحصر القرارات الاستثمارية والتنفيذية بضوابط عشائرية ومناطقية وفردية، لا تعمم على باقي أفراد المحافظة مثلاً.

هذا السيناريو، ليس حالة خيالية، وله استثناءات موجودة مهما ندرت، إنما تعززه ثلاث نقاط أساسية، أولها التجارب الانتخابية السابقة في الأردن، والتي تمكن معاينتها من خلال النظر إلى ندرة الحلول التي اتخذت حيال القطاعات الأساسية التي يمكن فيها لمس أثر التغيير خصوصاً على مستوى المحافظات، خاصة الاقتصادية والتنموية منها، لا الخدمية الأساسية والتي تعتبر مكتسبات موجودة أصلاً وطبيعية.

 النقطة الثانية التي تعزز هذا السيناريو، هو تقرير التحالف المدني لرصد الانتخابات "راصد" الصادر مطلع الشهر الحالي، والذي خلص إلى نتائج عديدة من أبرزها أن "47.3 % من المترشحين يرتكزون على إجماعاتهم العشائرية، فيما يرتكز 41 % على إجماعاتهم المناطقية، و2.8 % على قواعدهم الحزبية".

آخر هذه النقاط، هو تعليق  الأمين العام السابق لوزارة الشؤون البلدية مروان الفاعوري على تقرير راصد في صحيفة الغد بتاريخ 9 آب 2017، إذ قال: "ليس ثمة تعارضٍ بين الارتكاز على القاعدة العشائرية في الترشح وبين العمل السياسي أو الخدماتي، بل لا بد أن يتم الحفاظ على الإطار العشائري في الأردن". ليضيف الفاعوري قولاً آخر متناقضاً مع قوله بالحفاظ على العشائرية: "في حال بناء الدولة المدنية التي تحدث عنها جلالة الملك عبد الله الثاني في أوراقه النقاشية، فعندها ستكون لدينا في الأردن أحزاب سياسية فاعلة تنافس على أساس البرامج في الانتخابات المختلفة".

 وجل ما أريد الإشارة إليه في هذا المقال، أن هذه النقاط الثلاث، توضح غياب البرامجية البراغماتية والعملية المستقاة من فكرة اللامركزية ومن التطلعات إلى حلول تنموية لأزمات المحافظات المستدامة! من مشاكل باتت تبدو بنيوية مع الزمن، كما تشير إلى خلل في مكان ما من آلية قوانين الانتخاب التي لا تمنح فرصة مستقبلية لوجود مرشحين وبرامج انتخاب أكثر مدنية واستشرافاً، تقوم برامجهم على خلق حقائق اجتماعية "سياسية، ثقافية، اقتصادية"، قابلة للحياة والتطور، لتصبح مؤسسات مجتمع مدني، لا مجرد أدوات خدماتية عشائرية أو مناطقية مؤقتة، تدير الأزمات، وتتركها تتكرر، دون حلول.

 

عاصف الخالدي: كاتب وباحث من الأردن.