العار!

العار!

 

 

 

نحن نخاف. كلّنا عرفَ الخوفَ وجرّبه بأشكال مختلفة، وبأوقات معينة، وبأعمار متفاوتة، ولأسباب متعددة. غير أنّ الأساس في مسألة الخوف هذه، كما أريد أن أراه، يكمن في أنه لا يعترينا إلّا لأننا مخلوقات إنسانيّة جُبلنا على عدم الثقة بالمجهول. نحن نخاف، في الغالب الأعمّ، مما لا نعرفه، إذ يهجس تفكيرنا بالكيفية التي علينا التعامل بها معه.

 

ما نجهله يعني أننا لا نعرف منه سوى اسمه، ربما، وهو اسم متداول على الشفاه من دون الإحاطة بحقيقة طبيعته، وحجمه، وقدرته، والمدى الذي بمقدوره أن يؤَثّر فينا أو علينا. أهو عدوٌ أم صديق؟ ولأن هذا "المجهول" مجهولاً على هذا النحو؛ فإنه غامضُ بالضرورة، وملتبس، وبذلك يتحوّل لأن يشكّل، بذاته، تهديداً! تهديداً بمعنىً ما، وتهديداً للمنطقة الأكثر تعرضاً للاستفزاز فينا: الغريزة!

 

بالغريزة نواجه ما نجهل، ويالتالي لن تتعدى هذه المواجهة ردّات أفعالٍ غير عاقلة. أو هي: أفعالٌ إنْ استندَت على شيء فإنما على شبكة واهية من "معارف ناقصة"، و"معلومات شائهة"، و"إفادات افتراضية"، ولا ينتج عن كلّ هذا إلّا شتّى ضروب ما نسمّيه: السلوك خَبْط عشواء! أي أننا كأننا نقاتلُ خصماً شبحاً يتحرك في الظلام دون أن نراه!

*   *   *

 

كثيراً ما راودتني هذه "التأملات"، وبما أفرزته من خلاصات، كلّما وقعت أحداث عنف وتدمير وقتل بين أطراف تتباين في اعتقاداتها، وتتعدد في دياناتها، وتختلف في أصولها، إلخ. وربما لأنني من الذاهبين في الاعتقاد بأنّ الضحايا من جميع الأطراف – بمن فيهم "أصحاب الغَلَبَة" هذه الجولة أو تلك -، ليسوا سوى المُساقين بهياج الغريزة العمياء غير المدركة لحقائق الطرف الآخر كونهم يجهلونها ولا يعرفونها حقاً؛ أقول:

لأنني على هذا الاعتقاد؛ فإني أستكمل المسألة مشيراً إلى أنّ "فعلاً واعياً" يقف في مكان آخر، عمل وما زال يعمل على إبقاء مناطق الجهل مفتوحة. أنّ "مصالح كبرى" تواظب على تخصيب هذا الجهل وتغذيته وإدامته لتدوم، بالتالي، تلك المصالح.

 

كأننا نعاين حروباً تتوالى لا يخوضها، فعلاً، الذين يقاتلون على الأرض (قاتلين ومقتولين معاً)، بل هم العارفون المخططون لـ: الكيف، والأين، واللماذا، والمتى! ولكن، قبل كل شيء وبعد كل شيء: القابضون لأثمان أنهار الدماء المسفوكة! المتاجرون بفجائع الضحايا وأهالي الضحايا: ملوك وجنرالات الموت الموزع على العالم تحت ذرائع عرفها التاريخ ولم تتحوّل، للأسف العظيم، إلى دروس تستفيد منها أجيال التاريخ؛ إذ بإدامة شبكة التجهيل وتمتينها وتوسيع نطاقها (أمكنة وأزمنة) تبقى الديانات المتعددة دروباً لا تؤدي إلى إلهٍ واحد! وتظل الأصول المختلفة بعيدة عن الأصل الأوحد الواحد!والاجتهادات العقلية ضرباً من الهرطقات تستوجب إشعال الحرائق وإزهاق الأرواح!

*  *  *

 

لا أملك ما أضيفه بعد هذا.

إنها نفثة غضب، ربما، سقتها في كتابة حاولتُ عقلنتها بالمقابل من عوالم محجوزة وراء العقل.

عوالم تخاف لأنها تجهل. ولأنها تجهل فإنها تُستفز فتَقتُل أو تُقْتَل. وفي الحالتين إما الموت العاجل، أو الندامات التي لا جدوى منها. أما العار التاريخيّ.. فللأبَد!

 

إلياس فركوح: كاتب وروائي. حاصل على جائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية في حقلي القصة القصيرة والرواية.

أضف تعليقك