الضمان الاجتماعي بين يدي الليبراليين
ليس من اهتمامي أن اقف عند تفاصيل تعيين فلان أو علان، لأنني أعرف مسبقا كيفية التعيينات التي تتم في الوظائف العليا للدولة، وهذا جزء أساسي من معادلة الفساد التي نحاربها، ونؤكد كل يوم على أن الكفاءة يجب أن تكون هي المعيار في التعيين.
ولكن هذا حديث يذهب أدراج الرياح، وتمنيات لا يمكن تحقيقها.ولعل حكومة فايز الطراونة اخترقت كل الحواجز عندما قامت بتعييناتها على أسس معارف شخصية، ومصالح أشخاص ذوي نفوذ سياسي، تتطلب المرحلة نسج تحالفات معهم وتمرير مشاريع عبرهم.
وهذا السلوك لا يخوف كثيرا في أسلوب وطريقة التعيين، على الرغم من عدم احترامه للمواطن الأردني.
إلا أن الخارج عن المألوف هو سلوك الرئيس في التعيين خارج إطار قائمة المعارف والأصداقاء والمحسوبين على دولته، تعيين الدكتور هنري عزام رئيسا لوحدة الاستثمار في مؤسسة الضمان الاجتماعي.
الخطورة والخوف الذي يبديه الكثيرون، هو أن ثمة وجهة جديدة لوحدة الاستثمار ومستقبلها بعد أن وضعت تحت تصرف د. هنري عزام، والذي كان من المفترض أن يكون على رأس الوحدة من أيام حكومة سمير الرفاعي، ولكن حجم ضغط الشارع وقوته أطاح بالحكومة وأطاح بطموحات رئيسها الليبرالية للانقضاض على مؤسسة الضمان.
ولكن الأحلام عادت للظهور مجددا مع حكومة الطراونة التي تقود البلد إلى التصعيد، عندما تقوم بخطوات غير محسوبة، وتغامر بمستقبل البلد عبر العودة إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية، وإغراق الأردن من جديد في الديون، وتضع عينيها في ذات الوقت على مدخرات المواطنين!
السيد هنري عزام بخلاف سلفه الدكتور ياسر العدوان الذي اتبع طريقة ونهجا محافظا للحفاظ على أموال الوحدة. وكان العدوان لا يخفي تخوفاته من الإقدام على مشاريع غير محسوبة، قد تؤدي إلى ضياع أموال الناس، في حين أن بديله من أشد المتحمسين لسياسة السوق المفتوحة رغم تحفظاته على سياسة الاقتراض من المنظمات الدولية، وأقصد صندوق النقد والبنك الدوليين!
فقد كتب مقالا مطولا في صحيفة الاقتصادية السعودية منذ قرابة العام تحت عنوان "الربيع العربي في حاجة إلى ثورة اقتصادية"، يقول فيه إن العالم العربي لن يتقدم في عملية الإصلاح السياسي إذا لم ينجح في إطلاق ثورة اقتصادية لحل الأزمات والمشاكل المتفاقمة.
ونتفق تماما مع الدكتور عزام حول ضرورة إطلاق ثورة اقتصادية لتصحيح الخلل الذي أصاب المنطقة جراء الانجرار وراء المشاريع الرأسمالية والليبرالية، والارتهان سياسيا لشروط صندوق النقد الدولي وانتهاك السيادة الوطنية، والحديث عن إصلاحات اقتصادية وبرامج تحول أدت إلى نهب الوطن ومقدراته.
لكن الثورة التي يريدها الدكتورعزام تختلف عما نفكر فيه؛ فهي تتواءم تماما مع المشروع الليبرالي الذي عاد بقوة مع حكومة الطراونة، التي باتت لا تعرف رأسها من قدميها وسط هذا السخط الشعبي والخوف الذي يبديه المواطنون على أموالهم في الضمان.
الغد