"الصفقة الغائبة"

"الصفقة الغائبة"
الرابط المختصر

تشير التوقعات المتداولة إلى أنّ الدورة الاستثنائية الأولى لن تناقش مخرجات لجنة الحوار، وسوف تحال إلى الدورة الثانية، مع منح الأولوية للتعديلات الدستورية، وربما في حال وجود مؤشرات مؤكدة على عرقلة نيابية لقانوني الانتخاب والأحزاب، فسيتم إصدارهما لاحقاً بوصفهما قانونين مؤقتين، تمهيداً لانتخابات نيابية مبكرة.
ورغم خروج نظام الانتخاب بالتوافق في الجلسة الأخيرة في مداولات لجنة الحوار الوطني، إلاّ أنّ مواقف الرسميين والمحسوبين على الدولة عموماً لم تكن متحمسة للجمع بين التمثيل النسبي على مستوى المحافظة والقائمة الوطنية، وكانت تفضل قائمة وطنية محدودة مع إبقاء الصوت الواحد.
حال دون الوصول إلى "قائمة وطنية" للمقاعد كافة، محددات واقعية وموضوعية، سواء بوجود معارضة قوية من أعضاء في اللجنة ضدها، أو مخاوف سياسية، وهو ما جعل من غير الممكن الوصول إلى هذا الطموح، مع الهواجس الديمغرافية والسياسية، والقدرة على التحشيد ضده خارج اللجنة وداخلها.
كان، عند ذلك، لا بد من البحث عن نظام انتخابي بديل، وهو ما أدى إلى الإمساك بـ"المحافظة" كدائرة انتخابية، وإدخال التمثيل النسبي لمزيد من العدالة، ومنح صوت للوطن في محاولة لزيادة نسبته مستقبلاً، وإلغاء الدوائر الصغيرة والصوت الواحد والدوائر الوهمية وما صاحب ذلك من أمراض.
هذا النظام الانتخابي لا يرضي طموحنا. لكنه الصيغة الممكنة حالياً في ضوء اختلاف الرهانات وغياب الدولة والمعارضة الإخوانية، بصورة مباشرة، عن "الصفقة" التي تمت في الجلسات الأخيرة من عمل لجنة الحوار، بالرغم من حضور وجهات النظر الرسمية والمعارضة وانعكاسهما في المنتج الذي تم.
الآن، المخرجات ستذهب من عهدة اللجنة ورئيسها، إلى يد الحكومة، وهو ما يعني أنّها ستدخل حيّز النقاش العام. وإذا كان هنالك تواطؤ بين الجهات الرسمية والمعارضة ضد قانون الانتخاب، فإنّ النتيجة ستنتهي إلى إضعافه شعبياً، ثم تجاهله وإهماله، مع حملة سياسية كبيرة ضده، وصولاً إلى صيغة أخرى تجري في الكواليس الخلفية بين الدولة والقوى المعارضة الرئيسة.
أمّا الوثيقة المرجعية للإصلاح، التي أنتجتها اللجنة، فلن تحظى بأي اهتمام رسمي، رغم أنّها حاولت أن تؤسس لمرحلة سياسية تتوافق مع الطموح الإصلاحي، وتجدد النظام السياسي والحياة العامة، ولن تفكّر الحكومة بتطبيق توصياتها ومخرجاتها، وسوف تكون قيمتها مقتصرة على "الجانب الأرشيفي" فقط. بينما سيكون قانون الأحزاب هو المنتج الوحيد الذي قد يجد طريقه للتطبيق، بعد أن تمت زيادة عدد الأعضاء المؤسسين إلى 250 عضواً، بناء على رغبة عليا من خارج اللجنة.
هذا السيناريو مطروح في سياق المناخ السياسي الحالي، الذي لا يبدو متحمساً لمنتج اللجنة. في المقابل، هنالك رهانات مختلفة لدى المؤسسات الرسمية في إيجاد صيغ أخرى، تمكّنها من الإمساك بمخرجات أي إصلاح وتحجيمه في حدود معينة، ورهانات لدى المعارضة في الوصول إلى سقف أعلى من المخرجات تناغماً مع الحالة الإقليمية والمطالب الداخلية.
هذا وذاك يعيدنا إلى المربع الأول، ما قبل بدء لجنة الحوار عملها، وهو عدم وجود توافق محدد بين الأطراف التي تملك موازين القوى على الأرض على بناء تصور مشترك: ماذا نريد تحديداً من عملية الإصلاح السياسي؟ وما هو المنتج المتوقع من ذلك؟ والمراحل والخطوات المطلوبة؟
مخرجات اللجنة ستكون في مهب الريح، طالما أنّ "الصفقة" الأهم لم تعقد بين القوى المؤثرة، بل هنالك أجواء سلبية تجاه ما تم إخراجه.

الغد

أضف تعليقك