الصحف والدولة والضمان
في الوقت الذي يحتاج فيه الإعلام الورقي لإدارات حصيفة , قادرة على تسيير ظروفه وتوفير موارد لسيرورة عمله وسط ظروف اقتصادية صعبة ومنافسة شديدة من الإعلام الجديد , تستمر المؤسسة صاحبة الأسهم الكبيرة في السير على نمط العلاقات العامة بتعيين ممثليها في مجالس ادارات الصحف الورقية وسلوك منهج التنفيعات لموظفيها او لأصدقائها ولا نُنزّه الحكومات المتعاقبة عن التأثير والتدخل في ذلك .
الاستعراض السريع لمعظم خريطة عضوية مجالس الادارة في الصحف من الوحدة الاستثمارية في الضمان المالك الأكبر بأسهم صحيفتي الدستور والرأي يكشف عمق هذه الازمة وكيف ان مجالس الادارة لم تسهم بتوفير سنتميتر واحد من الإعلان في الصحيفتين او تحقيق عقد طباعة واحد او توفير اشتراك مدفوع , إن لم تكن هذه المجالس في جانب كبيرمنها عبئا اضافيا على الاعلان والاشتراك .
الجهات المُستثمرة في المؤسسات الصحفية اعتادت على تحقيق الأرباح طوال عقود ماضية بصرف النظر عن نوعية ومؤهلات أعضاء مجالس الادارة فأغمضت عينيها عن المسلكيات المالية البذخية في الصحف و التعيينات الكثيفة لحسابات انتخابية او مصلحية , وساهمت ادارت الصحف نفسها في السنوات الماضية بالتواطؤ مع حملة الاسهم الكبار في عدم تجويد نوعية الاعضاء , لتحقيق اكبر قدر من السيطرة العائلية او الفردية على الصحيفة , لتعيين المريدين والاحباب او انصاف الكفاءات , الى ان تم تحرير الصحيفتين من هيمنة العائلات والفرد الحاكم بأمره الذي تزامن ودخول الازمة المالية العالمية التي أثرت على سوق الإعلان وتراجع مبيعات الصحف بظهور الاعلام الجديد , .
الأزمة العالمية وبروز الإعلام الجديد تطلّبا مهارة استثنائية في مجالس الادارات وتغيير الصورة النمطية لدور ومهام اعضاء مجالس الادارات التي بقيت محافظة على نمطيتها واسلوب التنفيعات، حيث باتت الازمة مركبة واكثر تعقيدا بخاصة في ظل تشريعات لا تحمي الصحافة كصناعة حقيقية وسبق الاشارة الى الاختلالات التشريعية ووجوب تعديلها بالتعامل مع الصحافة كصناعة وليست حديقة خلفية.
بدورها كانت نقابة الصحفيين جزءا من الازمة بعد انحكامها لإدارات الصحف لفترة طويلة وممارسة دورها في التعبير عن الادارات بدل التعبير عن الجسم الصحفي ولعل الجمود في قانون النقابة وقصوره عن التعاطي مع الإعلام الجديد صبّ الزيت على نار الأزمة , بدليل انها – اي النقابة – تُطالب بدعم الصحافة الورقية ولا تبدأ بنفسها بأن تُجمّد الصحف كبادرة للتخفيف من اعباء الصحافة الورقية وحتى لا تكون ممن ينطبق عليها قوله تعالى “ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لاتفعلون “ .
الصحافة الورقية صناعة وطنية بامتياز وليست صناعة لإنتاج محارم ورقية او اجهزة رقمية , فهي حاملة رسالة الدولة وحاضنتها ووسيلة التواصل بين الدولة والجمهور , والاهم هي الحافظة لحق الجمهور بالمعرفة , وعلى الوحدة الاستثمارية في الضمان -بوصفها المالك الاكبر- أن تتفهم هذه الحقيقة وعدم التعاطي مع اسهم الصحف كما التعامل مع اسهم الشركات الاخرى وكذلك عدم إغفال كم الأرباح الذي حصلت عليه قبل الازمة التي عصفت بكثير من القطاعات .
الدولة امام مسؤولية حقيقية لتحصين الصحف وتجويد ظروفها الاقتصادية من خلال الدعم الحقيقي للصحف بتوفير بيئة عمل آمنة وتشريعات حامية لاستقلالها المهني وتطويع التشريعات التي تضمن عمل الصحافة كصناعة وليست بابا من ابواب التجارة حتى لا نصل الى حفظ اعداد الصحافة الورقية في متحف التراث وتفقد الدولة حاملة رسالتها ووسيلة تواصلها مع الناس وتوفير التغذية الراجعة لقراراتها
الدستور