"الصبر مفتاح الفرج

"الصبر مفتاح الفرج
الرابط المختصر

لعمرك ما ضاقت بلادٌ بأهلها لكنّ أخلاق الرجال تضيقُ!

عمرو بن الأهتم)

صاحبنا يملك مقهى معروفاً في أحد أحياء عمان الغربية، ولديه شركات في قطاع العقارات. قال لي: "لولا بعض المتعلّقات التي تمنعني من السفر حالياً، لقمت الآن بالتوجه إلى المطار مع أسرتي، وغادرت مهاجراً إلى أستراليا حيث كنت، لأنني أشعر بالرعب مما أراه حولي".

صديق آخر عراقي، مقيم في الأردن، وهو مثقف ومهني مرموق، تحدّث معي على الهاتف قائلاً أرجوك انقل رسالتي هذه: "لم يعد أمام الطبقة الوسطى المثقفة المهنية، إن أرادت حماية مستقبل أبنائها، إلا التفكير في الهجرة إلى الغرب، ومغادرة البلاد العربية والبحث عن أي دولة أجنبية، لكي نشعر بإنسانيتنا وكرامتنا".

حسناً، يمكن أن نفهم هذا الشعور بدرجة واضحة صريحة لدى أشقاء عرب في (عدّوا على أصابعكم!): مصر، وسورية، وليبيا، والعراق، ولبنان، والأراضي الفلسطينية المحتلة، والسودان، وبعض فئات المجتمع المضطهدة في دول الخليج العربي، وهذا طبعاً في حال تجاوزنا دولاً أخرى منكوبة، ما نزال ننساها عند الحديث عن الدول العربية، مثل الصومال (ولا أعرف أين نصنّف حالياً جنوب السودان، التي تقف على حافة "الحرب الأهلية" الطاحنة). فهذه الدول جميعاً تعاني من أزمات داخلية قاسية، تتجاوز الأوضاع الاقتصادية والسياسية، إلى الجانب الأمني الأساسي المرتبط بحياة الناس!

يمكن أن نفهم، كذلك، أن تفكّر في السفر الشرائح الاجتماعية المسحوقة اقتصادياً، أو نسبة كبيرة من الشباب الذين يعانون من حمّى البطالة، وفقدان فرص العمل؛ وحتى أبناء العشوائيات والمهمّشين في كثير من الدول العربية، كما هي الحال في دول المغرب العربي ومصر!

لكن اليوم، أصبح هذا الحلم بالهجرة "مزاجاً عاماً"، بل أكثر من يفكّر فيه هم أبناء الطبقة الوسطى، ورجال أعمال من الشريحة الاجتماعية الوسطى. وهو ليس ناجماً عن معاناتهم من البطالة أو الفقر، ولا حتى عن الحالة الأمنية في دولة مثل الأردن، كما رأينا لدى صديقينا رجل الأعمال الأردني والطبيب العراقي. فما السبب إذن؟!

أظنّ أنّ الجواب عن هذا السؤال هو بمثابة البديهيات النفسية، لدى أغلب أبناء الطبقات الوسطى. لكن، دعونا نقرأ تعليق إحدى القارئات على مقال الزميلة جمانة غنيمات أمس؛ إذ تقول المعلّقة (هدى): "لم أُفكِّر يوما بالهجرة. لكنني أريدها اليوم قبل الغد. صدقيني، ليس هناك لا إصلاح ولا تصليح! وما هي إلاّ شعارات؛ فما علينا نحن إلا أن ندفع الضرائب من كدِّنا وتعبنا، وهم يستفيدون منها على البارد المستريح. وصدقيني، أفضِّل الهجرة وأن أدفع ضرائبي كاملة في بلاد الاغتراب، مقابل أن يحصل أبنائي على فرص متساوية في جميع المجالات، على البقاء في وطن لا يتساوى الجميع فيه أمام القانون، ولا يتمتعون بفرص متساوية..".

دعوني أعترف أنّني وجدت هذه المعلّقة تكتب ما نتهامس به مع الأصدقاء والأسرة. إذ أصبح أبناء الطبقة الوسطى، بل أغلب المواطنين العرب، لا يشعرون بالأمن الشخصي المجتمعي الذاتي؛ ليس فقط وهم ينظرون إلى الانهيارات السياسية والأمنية في الدول المحيطة، بل وهم ينظرون إلى تفشّي ما يسميّه الصديق العزيز حسن أبو هنية بـ"العنف البنيوي المجتمعي"، الذي يضرب المجتمعات العربية بصور مختلفة ومتباينة!

تقليدياً، كما يقول الصديق عمرو حمزاوي، تمسّك المواطنون العرب بعبارة "الصبر مفتاح الفرج". إلاّ أنّ وظيفة هذه العبارة في التسكين والتهدئة نفدت. فعندما ينظر الجميع إلى الأمام ليروا بصيص الأمل ويخرجوا من هذه العتمة، لا يجدون الحلم والأفق، ولا تحسيناً في شروط الحياة المدنية والإنسانية والسياسية حتى، والتي لا تقل أهمية عن الأوضاع الاقتصادية. وعندما انفتحت كوّة في الجدار، مع "الربيع العربي"، سارع العباقرة إلى إغلاقها، لتعتمل عناصر الانفجار في الداخل مرّة أخرى!

الغد