الشعور بالظلم لا يكفي

الشعور بالظلم لا يكفي
الرابط المختصر

ثمة شعور شامل بالظلم، لا بد أن بعضه صحيح وبعضه خطأ. ولا يكفي الشعور بالظلم لبناء برامج وحوار ونقاش وإن كان ضروريا، ولا يكفي أيضا بناء مؤسسات عادلة لمعالجة الظلم أو إزالة الشعور به. قانون انتخاب عادل، على سبيل المثال، سيؤدي بطبيعة الحال إلى شعور بالظلم لدى فئة من المواطنين. وهناك اختلاف كبير في فهم الظلم وتحديده، وهناك أيضا اختلاف كبير على المسألة الواحدة من حيث كونها ظلما أم عدلا، بين المحافظات والفئات والطبقات والمجتمعات. قانون الضريبة على سبيل المثال، يبدو عادلا من وجهة نظر الشركات والأغنياء إذا كان قائما على المساواة في الالتزام والمكاسب، فالمواطنة تعني المساواة في الالتزام، ويشمل ذلك الضريبة، ويكون عادلا من وجهة نظر المجتمعات وسائر الطبقات (عدا البنوك وكثير من الأغنياء) إذا كان تصاعديا حسب الدخل والأرباح. وأبناء كل محافظة يعتقدون أنهم مظلومون وأن المحافظات الأخرى تحظى بنصيب أكبر وغير عادل من الإنفاق والموارد. ومنتسبو كل مهنة يعتقدون أنهم الأكثر أهمية وجدارة، والأكثر تعرضا للظلم أيضا. وهناك شعور بظلم كبير وتمييز يقع على المرأة، وفي المقابل هناك شعور بالتمييز الإيجابي غير المنصف للمرأة. وملاحظة نقاشات وحراك النواب تعكس الاعتقاد الكبير غير القابل للشك لدى كل دائرة انتخابية ونوابها بحقوق كثيرة مهدورة، وحصص لهم ضائعة استولت عليها دوائر أخرى...

ولعل هذا يفسر كثيرا من الفساد الشائع والراسخ، والذي يحظى بقبول اجتماعي وتأييد كبير، مثل التمييز في الفرص والقائم على استخدام النفوذ لتقديم تسهيلات وأفضليات حسب الانتماءات المختلفة وحسب الشعور بالظلم أيضا. فعلى قدر الشعور بالظلم، ينشأ قبول وتواطؤ للعمل على التمييز غير الرسمي أو غير القانوني في الفرص. فإذا جاء مسؤول من مكان أو جهة أو انتماء معين، تتحول إمكانات وفرص مجال مسؤوليته لصالح مشاركيه في الانتماء، ولنتخيل (والأمر لا يحتاج إلى تخيل) كيف تتحول مؤسسات تقنية ومتخصصة ومهنية إلى ساحات جهوية وفئوية، ومضافات وشلل وصالونات يفترض أنها تعمل (على سبيل المثال) لتطوير مصادر الطاقة وتجديدها، أو حماية البيئة، أو تحلية مياه البحر، أو للدراسات الاكتوارية... ما فائدة مؤسسات وقوانين عادلة في ظل ثقافة كاسحة وقائمة على ضرورة التمييز؟!

وهنا يمكن أن نلاحظ كيف يتحول الشعور بالظلم إلى مرض اجتماعي وفساد متمكن. وفي المقابل، يمكن ملاحظة الصعوبات في تجمعات قائمة على الحريات والعدالة بوصفها فكرة جامعة ومُثُلا عليا يتجمع حولها الناس على اختلاف انتماءاتهم وطبيعتها. وربما يفسر هذا لماذا لا ينشأ حراك إصلاحي جامع للناس، وبغير هذا الارتقاء فإن الحراك الإصلاحي المجتمعي والعمل الإصلاحي الرسمي يواجهان الفشل والإفشال.