الشراكة "المشكوكة"!
بخلاف التسريبات والانطباعات السياسية والإعلامية المتداولة، فمن الواضح أنّ المياه لم تعد بعد إلى مجاريها بين الحكومة و"المبادرة" النيابية، بالرغم من أنّ أصحاب "المبادرة" يؤكّدون أنّ الباب ما يزال موارباً، ويلقون الكرة في ملعب الحكومة.
الخلاف الذي طفا على السطح بين الطرفين، في جلسة العصف الذهني التي عقدها مركز الدراسات الاستراتيجية، أمس، حول الأزمة بين "المبادرة" والحكومة (وحضرتها نخبة من السياسيين والنواب)، يتعلّق بمدى التزام وزراء الحكومة بتقديم "خطط تنفيذية" للأوراق المشتركة التي تمّ التوصّل إليها مع "المبادرة". إذ أصرّ المنسّق العام للمبادرة د. مصطفى حمارنة، على أنّ الحكومة لم تلتزم، وتماطل وأنّها تتراجع عند المفاصل المهمة، مثل الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات.
في المقابل، فإن د. خالد كلالدة، وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، الذي يمسك بملف التنسيق مع "المبادرة"، رفض الإقرار برواية "المبادرة"، مبيّناً أنّ الوزراء إما التزموا، أو يعملون على ذلك، في العلاقة مع "المبادرة"!
بالنسبة للحضور، يبدو الخلاف جزئياً ويمكن حلّه في حال تمّ الاتفاق على مواعيد جديدة وتقديم خطط تنفيذية من قبل الوزراء، في المدّة القريبة. ومن الواضح أنّ هناك وساطات ومداخلات للتوصل إلى تفاهمات جديدة. إلاّ أنّ جوهر الخلاف أعمق مما قد يبدو على السطح، ويصل إلى طبيعة إدراك كلا الطرفين (الحكومة و"المبادرة") لمفهوم الشراكة بينهما أولاً، ولأهميتها ثانياً.
الشراكة، بالنسبة للمبادرة، هي قضية جوهرية وأولوية رئيسة، بينما هي للحكومة مسألة ثانوية وتكميلية في أحسن الأحوال. وفي الوقت الذي تنظر فيه "المبادرة" إلى الشراكة بطابع إلزامي عملي مبرمج، فإنّ الحكومة تنظر إليها بمرونة وأريحية في التعاطي مع مسألة الالتزام والتنفيذ!
صحيح أنّ الاختلاف بين طبيعة عمل الوزارات اليومي التنفيذي وبين عمل "المبادرة" الرقابي البرامجي، يلعب دوراً، لكن الفجوة تتمثّل في أنّنا أمام مفهوم جديد تماماً في المشهد السياسي، لم تعتده الحكومات، ولا الموظفون، ولا حتى المجالس النيابية؛ إذ يُجسّد نمطاً جديداً من الشراكة بين الحكومة من جهة ونواة نيابية صلبة وقوية على أساس البرامج والالتزام السياسي من جهة أخرى، في مسار مغاير تماماً للصيغة التراكمية والتقاليد التي ترسّخت في العلاقة بين الطرفين، يبني جسرا جديدا لردم الفجوة بين التركيبة الحالية للبرلمان والكتل الهشّة والمهمة الدستورية المطلوبة من البرلمان!
حتى لو كان رئيس الوزراء ووزير الشؤون السياسية والبرلمانية مقتنعَين تماماً بالشراكة مع "المبادرة" النيابية، فذلك قد لا ينطبق بالضرورة على باقي الوزراء. والأهم أنّه يتضمن نمطاً جديداً من التفكير والعمل لا يقع ضمن النمط اليومي الروتيني لموظفي الوزارات. أما الأهم من هذا وذاك، فهو أنّ فكرة الشراكة وأهدافها لم تصل بعد إلى الوزراء الآخرين ولا إلى موظّفي الدولة الكبار، وربما سنجد أنّ نسبة كبيرة منهم غير مقتنعة بذلك، وربما تعارض جزءاً حيوياً من برنامج الشراكة مع "المبادرة"!
مع ذلك، خَيط الحياة للشراكة أصبح متعلّقاً بمصير الحكومة خلال الأشهر المقبلة، سواء كنّا نتحدث عن تعديل أو تغيير. إذ سيتطلب الأمر إعادة تحديد وترسيم معالم التفاهم من جديد، وهو أمر مرهق بالنسبة للطرفين.
ما يعقّد الأمر، مستقبلاً، أن هناك حراكاً نيابياً جديداً معادياً للمبادرة ولما تطرحه من أفكار، وربما يدفع في ترتيب علاقته مع الحكومة في الدورة العادية المقبلة على هذه القاعدة، وهو خطاب كشف عن نفسه وبوضوح في الآونة الأخيرة، وعموده الفقري من التيار المحافظ واليمين الأردني ويلتبس بالمناكفات الشخصية بين أعضاء البرلمان أنفسهم!