السماح بالتدخين وراء استخدام الكلاشينكوف تحت القبة

السماح بالتدخين وراء استخدام الكلاشينكوف تحت القبة
الرابط المختصر

لا شك أن هناك أسبابا ومسببات عديدة أوصلت مجلس النواب السابع عشر إلى الحضيض بحيث أصبح ساحة حرب تكون الغلبة فيها لمن يملك سلاحا أقوى. فهناك غياب الإصلاح الحقيقى في تشكيلة المجلس بسبب قانون الانتخاب الذي لا يزال يميل وبقوة لصالح العشائر والقبائل بدلا من أصحاب الفكر والبرامج. وهناك أجواء الاستهتار من قبل السلطة التنفيذية في الاستماع إلى صوت الشعب حتى ولو كان غير ممثل حقيقة في المجلس. وهناك الهوة بين القرارات المنفذة والشعارات المرفوعة. ولكنني أعتقد أن ما جرى صباح يوم الثلاثاء الماضي يعود بالأساس لغياب الانضباط واحترام هيبة مجلس الأمة.

فالنواب مثلهم مثل أي مواطن يقومون بفحص إمكانيات الحرية المتاحة لهم تحت القبة. وكلما أعطوا فرصة جربوا أن يتوسعوا فيها. وبما أن الثقافة البرلمانية لا تزال غير مرسخة في مجلس الأمة فإن التقاليد البرلمانية تتطور بحسب الفرص المتاحة بالأساس من قبل رئاسة المجلس. وبنظرة إلى مجالس سابقة من السهل اكتشاف بعض المجالس المنفلتة وبعضها الملتزم وذلك حسب الإيقاع الذي يفرضه رئيس المجلس.

وهنا يأتي موضوع التدخين تحت القبة. فمن المعروف أن قانون الصحة العامة رقم 47 لعام 2007 يمنع التدخين في الأماكن العامة، وبما أن مجلس النواب هو من شرع هذا القانون كغيره من القوانين فمن المفترض أن يكون المشرع الأردني أول من يلتزم بتنفيذ بنود القانون علما أن نظام فصل السلطات يمنع أي جهاز للدولة من التدخل بما يحدث تحت القبة.

ففي غياب تقاليد راسخة ونظام داخلي تفصيلي يبقى أمر انضباط النواب عرضة لمزاج الرئيس ومكتب الرئاسة. ويبدو أن رئيس المجلس من المدخنين الذين لا يستطيعون السيطرة على هذه العادة، فقد قام بالسماح لزملائه النواب من إشعال السيجارة وقد تم توفير "مكتات" للتأكيد بأن إدارةالمجلس لا تمانع من التدخين خلال جلسات المجلس المهم عدم "تك" المادة المحروقة على الأرض.

وقد تمادى أعضاء المجلس وتطورت الأمور من السيجارة البسيطة التي يتم سرقة "شفطة منها" في الجلسات الطويلة والهامة إلى أن قام العديد من النواب بتدخين السيجار. وقد التقطت عدسة الفيديو العديد من النواب مثل عبد الكريم الدغمي وغيره وهم يدخنون السيجار وكأنهم في مكان ترفيهي وليس في مجلس الأمة. وتوزع الفيديو عبر اليويتوب وتم ارسال عرائض للمجلس لحث من يجب أن يكونوا قدوة للمجتمع لعدم التدخين تحت القبة، إلا أن كل ذلك لم يجلب أي تغيير.

 وهو ما دفع 91 نائبا بقيادة النائبة فلك الجمعاني لتوقيع عريضة تتطالب بما هو بديهي وهو احترام المجلس ورئاسة المجلس للقانون العام ولمبدأ احترام غير المدخنين من استنشاق سمومهم عوضا عن معنى هذا التمرد للمجتمع وللعمل العام. فكيف يمكن لمفتش وزارة الصحة مثلا وقف موظف حكومي من التدخين في مؤسسات عامة في حين ممثلو الوطن يتباهون بتدخين السيجارة والسيجار تحت القبة؟؟

عدم الانضباط وعدم الرغبة بمواجهة المدخنين أرسلا رسالة سيئة وهي أن رئاسة المجلس غير قادرة أو غير راغبة بالدخول بمواجهة حول هذا الموضوع. وعندما قام أحدهم بإطلاق الأقوال البذيئة لم يتحرك أحد.. وعند قيام أحد النواب بضرب زميل لم يتحرك أحد.. وعند إشهار السلاح تحت القبة ورغم توثيق ونقل صور السلاح على المواقع الاليكترونية وعلى موقع يو تيوب لم يتحرك أحد.. وعند تهديد أحد النواب لزميله للخروج لخارج المجلس لحل المشكلة بالسلاح لم يهتم المجلس ولا الرئاسة... فقط عندما نفذ النائب طلال الشريف التهديد و جلب الكلاشينكوف والعار للمجلس تحركت رئاسة المجلس وذهبت للقصر لتعديل جدول أعمال دورة المجلس الاستثنائية لتقرر فصل النائب.

ألم يكن بالإمكان وقف هذة المهازل من اليوم الأول بفرض الانضباط وهيبة المجلس. لو تم منع التدخين من اليوم الأول، ولو تم التعامل مع من اتهم بشراء مقعده بجدية، لوصل النواب إلى قناعة بأن رئاسة المجلس جدية في إدارة العملية التشريعية والرقابية.

ستنتهي الدورة الاستثنائية قريبا، وبعد استراحة قصيرة سيعود المجلس للانعقاد بجلسة اعتيادة ستبدأ باختيار رئاسة جديدة لمجلس النواب. وكلي أمل بأن تقوم الرئاسة الجديدة بفرض هيبتها في احترام الدستور والقانون ومنها قانون الصحة العامة ومنع  كافة أشكال التدخين كليا تحت القبة وفي اللجان وفي الأماكن العامة أسوة بما هو متوقع من كافة المؤسسات العامة والخاصة. ومتابعة ذلك القرار بكافة القرارت الضرورية لعودة هيبة المجلس وحرمة ما يجري تحت القبة وعدم التسامح مع أي مظهر من مظاهر الفوضى والاعتداءات اللفظية والجسدية.

*مدير عام راديو البلد وموقع عمان نت

أضف تعليقك