اليوم عصرا، يقف رئيس الحكومة عبد الله النسور تحت قبة مجلس الأمة في العبدلي، طالبا ثقة أعضاء مجلس النواب. ولهذا الغرض يقدم الرئيس بيانا وزاريا يستعرض فيه خطة عمل حكومته لسنوات قادمة.
الحكومة التي تطلب ثقة النواب اليوم جاءت (حسب الوصف) بعد مشاورات مع كتل مجلس النواب ومستقليه، وتمخض عن تلك المشاورات تكليف الرجل بتشكيل الحكومة، لتكون أول حكومة برلمانية في المملكة الرابعة يجري تشكيلها بعد مشاورات نيابية تسبق التكليف.الجميع في انتظار ماراثون الثقة، ومهرجان الكلمات التي ستلقى على مسامعنا طوال أيام النقاش، ثم ينتهي الأمر بسؤال رئيس، وهو: هل ستحصل الحكومة على الثقة؟! وكم ستحصل؟!.
لا أريد هنا إن أدخل في متاهة الأرقام، وأجيب إن كانت الثقة مضمونة أم لا!، ولكني أقول إننا نخطئ إن اعتقدنا أننا استطعنا خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر أن نبني حالة إدراك مؤثرة تنتقل بنا من مطرح لأخر في عملية الإصلاح، فنحن ما نزال في خضم التجارب السابقة، وما يزال القانون الذي أخرج لنا مجالس طالما انتقدناها وشككنا في قدرتها على الإنجاز، هو ذاته الذي أخرج المجلس الحالي مع بعض التجميل الذي لم يؤثر على الجوهر.
معنى الكلام أن المجلس النيابي الحالي الذي انشغل خلال الستين يوما الماضية بـ"خمس" جاهات كبرى، ولم ينجز سوى ستة مشاريع قوانين ليس من بينها سوى قانون واحد متكامل، والباقي مشاريع قوانين معدلة لا تشتمل إلا على ثلاث مواد أو أكثر قليلا، لا يختلف كثيرا عن مجالس نيابية سابقة خبرناها جيدا وعرفنا كيف يتم التعامل معها، وأنه ما يزال يبحث عنه نفسه تشريعيا ورقابيا.
ما سبق يعني أن شكل وتركيبة مجلس النواب لم تتغير عن أشكال وتركيبة مجالس سابقة، فلطالما استمعت الحكومات لنقد يصم الآذان، وصل لحد التجريح، ثم في نهاية المطاف تفوز الحكومات بالإبل.
لا أريد بناء توقعات الثقة أو عدمها على ما اسمع من نواب أو ما يصرحون به لوسائل إعلام مختلفة، وإنما أريد الإشارة لتركيبة مجلس النواب، ومدى قدرته على إسماعنا حديثا سياسيا بعيدا عن الكلام الخدمي الفاقع، وان يقدم أعضاؤه رؤية حقيقية لكل ما يدور حولنا، رؤية مستندة للإصلاح الذي يجمع عليه الكل بالقول والفعل، وليس بالقول فقط.آمل أن استمع لمطالعات سياسية تتحدث عن قانون انتخاب توافقي، وأن يقدم المجلس قانون انتخاب مقترحا للحكومة يقوم على تلك الرؤية ويبعدنا عن المساحات الضيقة، ويدخلنا لعوالم أوسع، واشمل، وأكثر تأثيرا وثقة.
لا شك أن في المجلس الحالي نوابا يتوقون للعمل والمساءلة، ومنهم من يحمل رؤية سياسية تستحق الاحترام والتوقف عندها، والتمعن فيها جيدا، ولكن ذاك لا يكفي، وإنما نحن بحاجة لجهد جمعي حتى تكتمل الحلقة، ولإيمان بالفكرة حتى تصبح حقيقة وواقعا.ولهذا فإننا، جمهور المراقبين والمتابعين، نرقب عمل المجلس ونتابع ما يفعل أعضاؤه بتمعن، حتى نساهم لاحقا في التأشير لمكامن الخلل إن وجدت، وتعزيز الإنجاز إن تحقق.
لا نريد سماع كلمات رنانة تداعب عواطفنا، وشواغف قلوبنا، وإنما نأمل أن نستمع خلال مهرجان الثقة لحلول واقعية يمكن تنفيذها وتطبيقها والتعامل معها.نريد أن يقدم النواب عصارة أفكارهم، ويبتعدوا عن مخاطبة الشارع، وجمهور الناخبين، فتلك الوسيلة لم تنجح مع مجالس نيابية سابقة خرج الناس مطالبين بحلها، مع أن بعضها حقق انجازات خدمية وتشريعية يشار إليها.القصة ليس أن تحصل الحكومة على الثقة أو لا تحصل، ولا هي متعلقة بحجم الأصوات، ما نأمل أن يقدم نوابنا خطابا واضحا بعيدا عن مغازلة الشارع، وبعيدا عن الرؤى غير الواقعية، وان يقولوا لنا كيف يفكرون في كل قضايانا المصيرية حتى نستطيع محاسبتهم لاحقا.
الغد