الزيارة السرية
لنفترض جدلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يزر عمان سرا، كما زعمت مصادر صحفية إسرائيلية؛ فإصرار الجانب الأردني الرسمي على نفي الزيارة يمكن تفهمه لأكثر من اعتبار. وفي ظروف الأزمات، عادة ما تلجأ الدول إلى الطرق السرية لمعالجة مواضيع معقدة يصعب التعامل معها بشكل علني ومكشوف. ومنذ اندلاع الأزمة في سورية، كانت عمان محطة لاجتماعات وزيارات علنية وسرية أيضا، كما قام مسؤولون أردنيون بزيارات غير معلنة لدول عديدة على صلة بالملف السوري.
التطورات المحتملة للأزمة السورية، والمخاطر المترتبة على تدخل أطراف إقليمية ودولية، تفرض على الأردن فتح قنوات الاتصال مع مختلف الأطراف المعنية، لأن ذلك من صميم واجبات الدبلوماسية الأردنية، المعنية أولا وأخيرا بالدفاع عن المصالح الوطنية الأردنية وحماية أمن البلاد ومواطنيها.
لقد فعل الرئيس المصري محمد مرسي الشيء ذاته عندما تولى جهاز مخابراته إجراء مفاوضات سرية مع ممثلي جهاز الموساد الإسرائيلي في القاهرة، لضمان التوصل إلى هدنة مع حركة حماس، ووقف العدوان الغاشم على غزة. لم يكن تدخل المصريين خدمة للأشقاء الفلسطينيين فحسب، وإنما أيضا دفاعا عن مصالح مصر الجيوسياسية، ودورها القيادي في الإقليم.
لا شك في أن المقاربة الأردنية للأوضاع في سورية مختلفة تماما عن المقاربة الإسرائيلية، رغم ما يقال عن مصالح مشتركة في احتواء نفوذ "القاعدة" المتنامي في سورية، والسيطرة على الأسلحة الكيماوية هناك. الأردن معني، بالدرجة الأولى، باستقرار سورية وازدهارها؛ ففي ذلك مصلحة سياسية واقتصادية. أما إسرائيل، فمصلحتها أن تغرق جارتها اللدودة في حرب أهلية لا تنتهي، تستنزف قوتها، ولا تقوى بعدها على الوقوف من جديد. وما يهم نتنياهو قبيل انتخابات الكنيست هو الظهور أمام الرأي العام الإسرائيلي بمظهر المدافع عن أمن إسرائيل.
ثمة مخاوف لدى أوساط رسمية أردنية من نوايا إسرائيلية للقيام بعملية عسكرية وشيكة ضد مخازن السلاح الكيماوي السوري. وحسب صحف أميركية، فإن بعض هذه المخازن يقع قرب الحدود الأردنية. وإذا صحت هذه التقديرات، فإنها تفسر المغزى وراء الاتصالات السرية الجارية في المنطقة. وبالنسبة للجانب الأردني، سيكون أمراً محرجا قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد سورية بعد لقاء علني في عمان. بيد أن المسؤولين الإسرائيليين عادة ما يتصرفون بمكر في مثل هذه الحالات، ويستغلون الاجتماعات مع المسؤولين العرب كغطاء لعمل عدواني؛ وقد فعلوها من قبل مع الراحل الملك الحسين.
أيا كانت النوايا الإسرائيلية، فإن وضع الأردن في الأزمة المتدحرجة على حدوده الشمالية لا يحتمل مفاجآت من أي طرف، وعليه أن يكون في صورة السيناريوهات المحتملة، ما كان منها سياسيا أو عسكريا. وفي ملف الأسلحة الكيماوية، لن يكون بوسع الأردن أن يمنع تدخلا دوليا للسيطرة عليها، وقد يضطر لتقديم تسهيلات لذلك العمل والمشاركة فيه، إذا ما وجد أن استخدام هذه الأسلحة يشكل تهديدا لحياة مواطنيه.
في كل الأحوال، يتعين على الأردن أن يقاتل ليبقى على الحياد، قدر الإمكان.
الغد