الرواتب والفساد ومصادر الثروة في الأردن

الرواتب والفساد ومصادر الثروة في الأردن
الرابط المختصر

ربما لم تجمع القوى السياسية والشعبية في الأردن على شعار في الحراك الإصلاحي الحالي بقدر “مكافحة الفساد”، وقد تمثل ذلك في التدقيق والتحقيق بأجزاء كبيرة من انماط الإنفاق ومن ضمنها الرواتب. ونتيجة لنمو مجموعة كبيرة من المؤسسات المستقلة والهيئات الجديدة التي تخضع لقوانين مختلفة عن نظام الخدمة المدنية فقد باتت الرواتب العالية لبعض الموظفين مثارا لانتقاد الجهات التي ترفع شعارات مكافحة الفساد في محاولة للربط ما بين الرواتب العالية والفساد. ولكن من المهم التذكير في هذا السياق بأن هذا الربط قد لا يكون صحيحا في معظم الحالات.

المثير للاستهجان ليس الرواتب العالية بقدر ما هي الرواتب المتدنية لموظفي القطاع العام والتي لا تتناسب مع التضخم والمسؤوليات الاقتصادية الكبيرة. وهذا ما يدفع العديد من الموظفين وبالذات من الفئات العليا للاعتماد على مصادر دخل مساندة مثل المشاركة في اللجان الفنية والمياومات والمكافآت المقطوعة للوصول إلى دخل قد يتناسب مع المسؤوليات. وفي المقابل فإن الموظفين الادنى درجة يجدون الفرص ضيقة أمامهم لأن قدراتهم ومؤهلاتهم الإدارية والفنية قد لا تسمح بمثل هذه المصادر المساندة للدخل وهم يعانون من تردي الاحوال المعيشية.

الرواتب العالية ليست فسادا في حال كانت عادلة ومنصفة ويتم منحها للأكفأ وليس للأكثر واسطة ونفوذا. هنالك بعض الوظائف تحتاج إلى مهارات خاصة وهنالك بعض الموارد البشرية التي لا يمكن استقطابها إلا برواتب عالية نسبيا. المهم في هذا السياق تحقيق تكافؤ الفرص حتى في مرحلة التعليم. الفساد يصبح عندما يحصل شاب من عائلة فقيرة ومتوسطة على معدل عال في الثانوية ولا يجد إلا جامعة محلية وبتخصص غير مناسب له، بينما يتمكن شاب من عائلة نافذة وثرية من الدراسة على حساب الدولة في الجامعات الأميركية والأوروبية بالرغم من ذكائه وقدراته المتوسطة ومن ثم يتمكن وبنفس الواسطة من اجتياح كافة الوظائف المرموقة وبالرواتب العالية، وبالطبع بنفس الجودة المتدنية من الأداء.

الغريب في مجتمعنا أنه يرفض حصول شخص مؤهل ومتعلم ومتمكن على راتب يتجاوز ألف دينار في الوقت الذي يعتبر فيه أن الحصول على مليون دينار في صفقة بيع أرض موروثة نوعا من الفهلوة. وما يزيد الأمور سوءا أن النظام الضريبي في بلادنا يعاقب الموظف والفني الذي يعمل بعقله وجهده حيث تطارد الضرائب الرواتب الثابتة بينما تتجاهل صفقات الأراضي والعقارات والاسهم والتي لا تحقق أية انتاجية للدولة. هذا ناهيك عن الأعطيات والهدايا التي تمنح أحيانا لأشخاص في مواقع وظيفية مهمة من أجل السماح باتخاذ القرارات “المناسبة” لمقدم الهدايا أو إضعاف منافسيه.

لا ننكر وجود حالات من الفساد في التعيينات وفي الرواتب العالية والمكافآت غير المنطقية ولكن مثل هذه الرواتب يمكن أن تكون مستحقة لخبرات تتنافس بطريقة منصفة وعادلة وتمتلك المؤهلات المطلوبة. وفي حال أصبح كل شخص يتقاضى راتبا عاليا معرضة لتهم الفساد فسوف نجد أن أفضل الكفاءات الأردنية سوف تهاجر للعمل في دول لا تثير فيها الرواتب العالية هذه الاسئلة بل تعتبر جزءا طبيعيا من اقتصاد المعرفة واحترام الخبرات، وهذا ما نشهده في الهجرة المتواصلة لأفضل الكفاءات من مدرسي الجامعات إلى دول الخليج وغيرها.

الدستور

أضف تعليقك