الرهان على حكمة الأعيان

الرهان على حكمة الأعيان
الرابط المختصر

في سباق مع الزمن، تم إنهاء الدورة العادية لمجلس النواب بقانون معدل لقانون منع الإرهاب، تجاوز كثيرا على الهدف الأصلي والفعلي، وهو مكافحة الإرهاب. ولم يبق لدينا الآن سوى الرهان على حكمة الأعيان، من أجل إعادة تنقية القانون من الإضافات التي ضمت لتعريف العمل الإرهابي الكثير من الجرائم المدنية العادية؛ مثل المشاركة في عصابة لأعمال النشل واللصوصية، أو التخريب على شبكة الانترنت، وغيرها من الجرائم المدنية غير ذات الصلة بالمنظمات الإرهابية وأنشطتها؛ مع تغليظ زائد للعقوبات، يراوح معظمها بين المؤبد والإعدام، وبالحد الأدنى عشر سنوات.

وإنه ليثير الرعب هذا التوسع والتغليظ للعقوبات خارج الهدف الأصيل الذي نتفق عليه جميعا وبحزم تام، وهو مكافحة الإرهاب.

لم أفهم لماذا توجب في قانون مكافحة الإرهاب ضم قضايا وتجاوزات على القانون غير ذات صلة بموضوع الإرهاب؛ أي أن اقترافها يأتي من فرد أو أكثر في سياق غير ذي صلة بالتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، أو بأي أهداف سياسية وأيديولوجية. فهذه الجرائم منصوص عليها في قوانين أخرى ذات صلة بموضوعها، كما ترد في قانون العقوبات، ولا يوجد أي فراغ تشريعي يتعلق بها، وإدخالها ضمن قائمة الأعمال الإرهابية يُضعف معنى الإرهاب، ويحوله إلى لغو غير ذي معنى يستخدم جزافا في كل شيء!

لا أرى أي سبب لهذا الإقحام، سوى استغلال الفرصة السانحة لتوسيع صلاحيات محكمة أمن الدولة. فمن بوابة شمول العديد من الجرائم العادية ضمن تعريف العمل الإرهابي، تتم استعادة ما تم تقليصه من سلطات وصلاحيات لمحكمة أمن الدولة بموجب التعديلات الدستورية التي حصرت صلاحيات المحكمة بخمس جرائم، من بينها الإرهاب. وهذا من وجهة نظري تخريب على قضية مواجهة الإرهاب، العادلة والصحيحة، والتي اتفقنا ووافقنا على أن تكون من صلاحيات محكمة أمن الدولة.

الإرهاب في مفهومنا بات واضحا، ونقصد به قيام جماعات أو أفراد، وعلى خلفية سياسية وعقائدية، بأعمال عنيفة وإجرامية لتحقيق أهدافهم الانقلابية على الدستور والقوانين والعمل السياسي الشرعي الذي يلتزم بالمشاركة الديمقراطية، وبالوسائل السلمية، وبما تقرره الأغلبية في إطار المؤسسات الدستورية. ومن المقبول تجريم الأعمال المساندة للإرهاب، مثل تجنيد الأنصار وعمليات التمويل والإعلام، وأي أنشطة أخرى تخدم الإرهاب. لكن توسيع ما يعتبر بحكم العمل الإرهابي إلى جرائم أخرى غير ذات صلة، يعطي الانطباع عن دولة بوليسية، تمارس أساليبها بحجة مكافحة الإرهاب.

أملي أن السادة الأعيان؛ أصحاب الخبرة العريقة في الشؤون العامّة، الحريصين على مصالح الدولة العليا والنظام العام، سوف يمارسون تأثيرهم العاقل والعقلاني لإعادة القانون نحو هدفه الأصلي الذي حاد عنه، وإنقاذ البلد من صفة الطابع البوليسي الذي يضع الأردن تحت ضوء سلبي للغاية أمام المجتمع الدولي، كما لا يخدم العدالة الداخلية ولا الأمن والاستقرار. ولدينا سابقة مشهودة في القانون المعدل لمكافحة الفساد، عندما أوقف الأعيان المادّة سيئة الصيت التي أجازها مجلس النواب السادس عشر، وتجرم سلفا نشر قضايا الفساد في الإعلام.

الغد