هل يمكن أن يكون هناك دور أردني في سوريا الجديدة ؟ّ!
جاءت الزيارة الرسمية الأردنية الأولى " لسوريا الجديدة" متأخرة بعض الشيء لكن يبدو أنها جاءت بتوقيت جيد إلى حد ما، إذ يبدو أن الأردن اكتفى لبعض الوقت منتظرا بتصريح من رأس الهرم "باحترام إرادة الشعب السوري" ورحب بأي خيار يذهب إليه السوريون، ولا أظن أنها رغبه مخفيه أو سرية بل باتت معلنة حتى لمن لم يجروء من السوريين على إعلانها سابقا، وحتى من كان منهم يعادي خيار الحرية والديمقراطية الحقيقية التي كلفت أرواحا وتشريدا ودمارا للملايين انحاز لهذا الخيار وأعلن توبته متجاهلا التشكيك والتخوين والاتهام.
حسم الأردن الرسمي موقفه الداعم "لسوريا الجديدة" علنا بعد ما يزيد عن عشرة أيام من سقوط الأسد، بزيارة رسمية رفيعة المستوى قام بها وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي بالتزامن مع زيارة وفد سعودي رسمي أقل تمثيلا رسميا من الوفد الأردني، لكن كلا الوفدين التقيا القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع بعد زيارة الوفد الأمريكي الهامة والتي أعلنت للجميع بشكل أو بآخر انها مقبولة أمركيا، وبالتالي من كان يحسب أي حساب لي اتهام فالجائزة ذات العشرة ملايين ألغيت والشرع اليوم حر وبالتالي الجميع أحرار بالتعامل معه كوجه سوريا الجديد حتى يتم إجراء انتخابات قادمة "حرة ونزيهة".
بالإضافة لذلك ، ما تزال هناك مقومات أخرى فارقة يملكها الأردن للعب دور في سوريا الجديدة،
أهمها الجغرافيا التي لا تخون إذ يحتفظ الأردن نفوذا كبيرا في الجنوب السوري وله حظوة بين العشائر هناك بل بنى علاقات متينة طوال اربعة عشر عاما وصلت إلى حد التنظيم وغض النظر عن التسليح بل المشاركة فيه، ويصل هذا النفوذ شرقا إلى دير الزور بدرجة أقل ولكنه موجود بالمحصلة فالإمتداد الكبير للبادية السورية معروف وتتشابك علاقات تاريخية على امتداده ليس مع الأردن وحدها بل تصل إلى الجزيرة العربية.
كما أن النسيج المجتمعي الذي تم خلال السنوات الأخيرة بات متينا لدرجة أنه لم تؤثر عليه تذبذب العلاقات السياسية بين البلدين في فترة حكم عائلة الأسد لأسباب معروفه، صحيح أن قوى إقليمية تعمل جاهدة ليتم تفتيت هذا النسيج في العمق الاجتماعي بين البلدان العربية في هذه المنطقة لا يخدمها إطلاقا وتعمل على هذا التفتيت والتشتيت بجميع الوسائل أقلها الذباب الإلكتروني.
بالإضافة إلى المصلحة الإقتصادية من جهة وحاجة الإدارة الجديدة في سوريا للانفتاح على مختلف دول الجوار وأن تقبلها دول الإقليم وتبني علاقات جيدة معها تثبيتا للشرعية التي اكتسبتها بالتحرير .
رغم ذلك، مهمة الأردن ليست بهذه السهولة، لا أظن أن دوره سيكون محوريا في سوريا الجديدة وستكون المؤسسات الرسمية في الأردن قد قامت بواجبها جيدا إذا ضمنت "دورا هاما يضمن مصلحة الأردن العليا على أقل تقدير"، فالعمل الممكن سيكون قدرته بالحفاظ على مصالحه السياسية والاقتصادية والأمنية.
والمكاسب إن وجدت أو سمح بها : إن أتت فتلك نعمه وإن لم تأت فقد تحققت الحد الأدنى من المصالح : حصة من إعادة الإعمار، فتح معابر وحركة استيراد وتصدير وبالتأكيد لا سلاح أو مخدرات ولا إسلام سياسي يثير الشك والتخوف !.
أما الحصة المائية فما زال الحديث عنها بعيدا أو على الأقل حتى تتراجع إسرائيل عن السيطرة على سد الوحدة المشترك بين الأردن وسوريا على نهر اليرموك و يعد عصبا رئيسيا للبلدين للزراعة والشرب.
مما يصعب تموضع مناسب للدور الأردني في سوريا اليوم وفي القادم من الأيام أمران بالغان الأهمية: الأول العلاقة العضوية ما بين الحكام الجدد لسوريا وبين تركيا العلمانية رائدة الإسلام المعتدل الجذاب الذي يرتدي "الكرافة" بلحية خفيفة مناسبة وخطاب ديني يكاد يكون ليبراليا، التي تجعل قدرة أي دولة جارة وبالتأكيد الأردن على بناء علاقة أمتن مع الإدارة الجديدة شبه مستحيلة " حتى لو كانت الإدارة نفسها ترغب بها" فالسطوة التركية واضحة وكذلك الدور التركي فيما حدث بدء من الثامن من ديسمبر بل ومن قبله على مدار سنوات، ولا أحد قادر على منافسته على الأقل في السنوات القليلة القادمة.
أما العامل الثاني فهناك تفاهمات وتحالفات اردنية إقليمية تجعل نشوء علاقة قوية مع الإدارة الجديدة بطابع إسلامي شديد الوضوح أمرا صعبا للغاية بل مرفوضا، فمن يحكم سوريا اليوم ليس الإخوان الذين خرجوا من حماة بعد مأساتها في القرن الماضي وقام النظام في الأردن باحتضانهم وإدماجهم في المشهد الاجتماعي والاقتصادي الأردني ثمانينات القرن الماضي بلا خوف أو وجل، فلكل مرحلة تحالفاتها ولكل مرحلة لونها الإسلامي والعقائدي المختلف وشتان ما بين الأمس واليوم.
وبطبيعة الحال تجار اليوم من السوريين هم ليسوا تجار الشام في اربعينيات القرن الماضي الذين التجأوا للأردن طلبا للحماية والإستقرار وردوا الجميل بالمساهمة ببناء مشهد اقتصادي قوي في الأردن منذ التأسيس ليس في العاصمة وحدها بل في مختلف المحافظات، بل زاد الأمر و اندمجوا مع النخبة السياسية في الأردن أفرزت على إثرها شخصيات وازنة من وزراء ورؤساء وزراء وقادة أجهزة أمنية رفيعي المستوى تعود اصولهم البعيدة وربما القريبة أحيانا إلى محافظات عديدة في سوريا.
وعلى ذلك يمكن البناء : علاقة تاريخية عشائرية اقتصادية ثقافية مختلطة ومتشابكة، تخدمها جغرافيا رحبة، لغة وإرث شعبي ممتد ومشترك، والأهم من ذلك رغبة حقيقية على الأقل من مختلف الأطياف الشعبية ببناء علاقة أقوى مع سوريا الجديدة بقيادتها الجديدة حماية لمصالح الأردن وسوريا وشعبيهمها معا.