سوريا بعد الثورة: تحول نحو الديمقراطية أم تكرار للأخطاء؟

الرابط المختصر

تعيش سوريا اليوم لحظة تاريخية حساسة، فبعد عقود من القمع والاستبداد تجد نفسها أمام تحديات عميقة محلية وإقليمية ودولية، في ظل تطلعات شعبية كبيرة نحو الحرية والديمقراطية، القيادة الحالية التي خرجت من رحم السلفية الجهادية تواجه أسئلة وجودية حول قدرتها على التكيف مع الواقع الجديد وتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي يلبي طموحات الشعب السوري ويطمئن المجتمع الدولي.

السؤال الجوهري يكمن في مدى قدرة هذه القيادة على تجاوز طبيعتها الأيديولوجية وتنوع توجهاتها الداخلية، فبين صفوفها من يبدو مستعدا للتكيف مع المرحلة ويعي أهمية العمل ضمن إطار وطني يتسق مع تطلعات السوريين ويطمئن العالم الخارجي، بينما لا يزال هناك من يتمسك بتوجهات متشددة قد تعيق تحقيق هذه الأهداف، ما يشكل ضغطا إضافيا وتعقيدات تضاف إلى قائمة التحديات.

التنظيمات التي قادت الثورة تواجه تحديا داخليا كبيرا يكمن في القدرة على تكيف قواعدها مع الواقع الجديد ومتطلباته، فالمواءمة بين تطلعات الثورة الشعبية وطبيعة التنظيم الذي أفرز القيادة الحالية ستكون اختبارا حاسما، فهل تستطيع القيادة تقديم رؤية متوازنة تجمع بين القيم الديمقراطية ومتطلبات الأمن والاستقرار، دون أن تفقد دعم قواعدها الأيديولوجية؟ أم أنها ستجد نفسها عالقة بين ضغط الداخل التنظيمي والخارج؟ 

الضغوطات على القيادة لا تأتي فقط من داخلها، حيث تبرز الحاجة إلى طمأنة الشعب السوري أولاً بأن الثورة لن تتحول إلى نظام قمعي جديد بلون مختلف، فالشعب الذي احتفل بسقوط النظام السابق لم يحتفل بمن أسقط النظام بل بالحرية التي وعدته بها الثورة، وأي إخفاق في تحقيق تلك الوعود قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من السخط الشعبي، خاصة إذا شعر السوريون أن الحريات والديمقراطية التي حلموا بها باتت في خطر.

على الصعيد الإقليمي والدولي، تواجه سوريا اختبارات صعبة في التعامل مع القوى العالمية، خاصة تلك التي تنظر إلى سوريا من زاوية مصالحها الاستراتيجية، والضغوط الغربية التي غالبا ما تضع ضمان أمن إسرائيل كأولوية، وهو ما يضيف تعقيدا كبيرا لمسار التحول الديمقراطي في وقت تحتاج سوريا إلى الدعم الخارجي لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها والذي يتطلب موارد هائلة، فالدعم لن يأتي دون شروط سياسية واقتصادية قد تكون صعبة القبول، شروط ظاهرها الديمقراطية والعدالة وباطنها قيودا وتكبيلا لسوريا في تحديد أولوياتها الوطنية. 

المؤتمر الوطني المزمع عقده قريبا يمثل محطة مفصلية في رسم ملامح المستقبل السياسي لسوريا، ويجب ألا يكون حدثا عابرا بل حجر الزاوية في مسار الانتقال نحو نظام ديمقراطي مستدام وضمان الحريات وترسيخ قواعد تداول السلطة، بما يؤسس لدولة مدنية حديثة تعلي من شأن القانون والمواطنة وتنبذ الإقصاء والتهميش، وتضع الأسس لدستور يضمن الفصل بين السلطات.

التاريخ القريب للثورات العربية يضع أمام المواطن السوري دروسا قاسية تزيد من قلقه، دروس من تجارب دول عربية انتهت ثوراتها بإنتاج أنظمة قمعية جديدة أو ديمقراطيات شكلية سرعان ما انقلبت على ذاتها، هذا المصير يظل شبحا يلوح في الأفق السوري خاصة إذا فشلت القيادة في بناء مؤسسات دولة قوية تحقق العدالة الانتقالية وتحترم الحقوق الأساسية للمواطنين.

في نهاية المطاف، تقف سوريا اليوم على مفترق طرق، فالنجاح في بناء نظام ديمقراطي حقيقي يتطلب قدرة القيادة على تجاوز تناقضاتها الداخلية والتعامل بحزم مع تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، الشعب السوري لم يحتفل بسقوط النظام السابق ليجد نفسه أمام قيود جديدة، بل احتفل بفرصة تاريخية لتحقيق الحرية والكرامة، السؤال الذي يبقى بلا إجابة: هل تستطيع القيادة الجديدة استغلال هذه الفرصة، أم أنها ستكرر أخطاء الماضي لتضيف سوريا إلى قائمة الدول التي أجهضت فيها أحلام الربيع العربي؟