الرقابة الذاتية بإكراه القانون

الرقابة الذاتية بإكراه القانون
الرابط المختصر

يكفل الدستور الأردني حرية الرأي والتعبير والصحافة من خلال المادة الخامسة عشر بفروعها، التي تتذيل جميعها بعبارة "ضمن حدود القانون"، وهي عبارة بريئة لغير العارفين بالقانون، غير أنها في الواقع تنفي كل ما جاء قبلها.

"ضمن حدود القانون" تعني أن الدستور يتنازل عن الضمانة المطلقة لذلك الحق، تاركاً للمشرعين حرية تفسير وتحديد تلك الضمانة، التي استغلتها الحكومات حين قامت بتغيير قانون النشر والمطبوعات ثماني مرات منذ عام 1993.

ويرفض الدستور، كذلك، أي رقابةٍ مسبقةٍ على الصحافة باستثناء فترة الطوارئ، ففي تلك الأحوال تكون الرقابة محدودة، إذ "يفرض القانون على الصحف والنشرات والمؤلفات ووسائل الإعلام والاتصال رقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة وأغراض الدفاع الوطني".

يلحظ المتابع للصحافة الأردنية، في الفترة الأخيرة، أمراَ غريباً، فغياب الرقابة المسبقة لا يشمل الرقابة الذاتية التي تعشش داخل أغلب الصحفيين والإعلاميين، متنبهين إلى تجارب زملاء لهم خاضوا في الكتابة عن قضايا حساسة، وجرى محاسبتهم عليها رسمياً أو بطرق غير رسمية، لدرجة بات الصحفي يفكر مراراً قبل الكتابة في مواضيع قد تجلب له/ها المتاعب مع الدولة وأدواتها المختلفة.

وتفيد دراسة لمركز حماية وحرية الصحفيين أن 94% من الصحفيين، في الأردن، يمارسون نوعاً من أنواع الرقابة الذاتية من خلال عملهم اليومي.

الأمور التي يغلب فيها الرقابة الذاتية تتعلق بالشأن الأمني أو العسكري رغم عدم وجود محددات قانونية، لذلك فإن الإعلامي غالباً ما ينشر الأخبار الأمنية الموافق عليها أو الصادرة عن الجهات الأمنية على مبدأ "امشي الحيط الحيط وقول يا رب السترة".

وتعدّ الشؤون العسكرية وأخبار القوات المسلحة من أكثر المواد الصحفية التي تحصل على رقابة ذاتية من الإعلاميين ومحرريهم، رغم أن القانون لا يحدد أي خطوط حمراء، ما عدا أسرار الجيش المتعلقة بعدد ونوعية وموقع تمركز القوات المسلحة.

القوات المسلحة عممت الأسبوع الماضي بمنع نشر أي أخبار عنها "إلا بطلب مباشرٍ وصريحٍ من المسؤولين في القيادة العامة". وطبعاً التعميم لا يعتمد على أي قانون أو نظام سوى ذلك المتعلق بأسرار تحرك القوات المسلحة.

من المؤكد أن التعميم العسكري، نجح في زيادة نسبة الرقابة الذاتية لدى الإعلاميين، رغم أنها كانت أصلاً عاليةً جداً، حسب تقارير مركز حرية وحماية الصحفيين التي وجدت أن نسبتها فيما يتعلق بالجيش تفوق 84%.

دفع استمرار الرقابة الذاتية على الإعلام الورقي الأردني، بهذا الشكل المبالغ به، إلى نزوحٍ كبيرٍ من النشر باتجاه الإعلام الإلكتروني، لكن هذا الأخير يواجه اليوم مشاكل متعددة عقب تعديل قانون الإعلام، الذي  أدى إلى حجب المواقع غير المرخصة، وأسفر عن نزوحٍ جديدٍ نحو مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تزال خارج قانون المطبوعات رغم شمولها بقانون مكافحة الإرهاب.

تكمن الخطورة في وجود رقابة ذاتية تمنع الإعلاميين من متابعة أو نشر أي مادة ذات طبيعة حساسة، مع أن هذه الأخبار هي ما يحتاجه المواطن، وبذلك يصبح كل أردني متعطش للمعلومة فريسةً لمواقع التواصل الاجتماعي والإشاعات، إضافة إلى متابعة الإعلام الأجنبي لمعرفة ما يجري في بلده.

نحن بحاجة إلى تعديلات دستورية وتشريعية، وما هو أهم من التعديلات هو إجراء عملية جراحية تهدف إلى استئصال الرقيب المعشعش داخل أدمغة الصحفيين.

 

·        داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.

أضف تعليقك