الرؤية الغائبة!
تخشى الحكومة اليوم من تحرك نيابي يرد القانون المؤقت لموازنة العام الحالي، نتيجة مناكفة برلمانية؛ بعضها لأسباب شعبية، وبعضها الآخر لأجندات خاصة وتعطيل عمل الحكومة.
من حق النواب مناقشة الموازنة العامة وإدخال تعديلات على بعض بنودها.
لكن ما يؤخذ على النواب الذين بدأ عملهم منذ أربعة أشهر، عدم مطالبتهم بتقديم الموازنة كقانون مستعجل، بحيث تُدخل تعديلات ذات جدوى.
أما أن ينتظر النواب والحكومة مرور ستة أشهر على تطبيق الموازنة، ثم تعرض للمناقشة حتى بدون صفة الاستعجال، فيبدو في ذلك إهمال من الجانبين، وتقليل من سلطة الدستور الذي ينص على عرض القانون مع انعقاد الدورة النيابية بصفة الاستعجال؛ وكأن قانون الموازنة لا يعكس خطة عمل الحكومة، بل يرتبط بتنظيم عمل المقاهي الشعبية مثلا!رد الموازنة مسألة اعتبارية، تحمل رسالة سياسية ومعنوية للحكومة.
أما بقراءة الخطوة دستوريا، فإن ردها من النواب يقتضي تحويلها إلى مجلس الأعيان، لتمر بكل المراحل الدستورية، سواء بردها من مجلس الملك، أو الموافقة عليها، وبالتالي الاضطرار في الحالة الأخيرة (وفي حال تكرر الاختلاف) إلى عقد جلسة مشتركة بين مجلسي النواب والأعيان للاتفاق بخصوصها.
بعض النواب يتخوفون من إقرار الموازنة باعتبارها تمريرا لقرار رفع أسعار الكهرباء الذي بنيت عليه الموازنة.
وهذا صحيح، لكن الفرق أن نصف العام مضى، والحكومة لم تتخذ القرار، وربما يؤجل تنفيذه إلى ما بعد رمضان، ما يعني أن جزءا من القرار سيبقى حبرا على ورق، ولن تتحقق إيراداته المفترض أن تجنيها الخزينة نتيجة تنفيذ القرار.
شعبيا، تتمثل المخاوف من رفع أسعار الكهرباء في تبعات القرار غير المباشرة، ولاسيما فيما يتعلق بالتضخم الذي يتوقع زيادته بنسب تتراوح بين 1-2 %، وليصل إلى حوالي 9 %. وهي نسبة مرتفعة، ستؤدي إلى تآكل جزء من مداخيل الأسر الأردنية المتواضعة أصلا.
السيناريو الحكومي لزيادة تعرفة الكهرباء يبدو مقبولا من المواطن العادي، خصوصا وأنه يستثني كل من تقل فاتورته عن 50 دينارا شهريا، ويشمل شرائح من المجتمع يقدرها وزير الطاقة بحوالي 91 % من مستهلكي القطاع المنزلي.
توصيات اللجنة المالية النيابية بخصوص الموازنة كانت سطحية، ولا تحقق الإصلاح المالي المطلوب، لناحية تحقيق الشفافية والإفصاح في الموازنة بشقيها: الإيرادات والنفقات. إذ جاءت التوصيات عامة، لا تحدث فرقا في معايير إعداد الموازنة وتحديد المخصصات.
وقد كان من المجدي، مثلا، اقتراح تأسيس مجلس مستقل لإعداد الموازنة والرقابة عليها ، بحيث لا يبقى إعداد الموازنة وقيمتها رهناً بيد شخص واحد هو وزير المالية.وكان من المجدي أيضا أن تقترح اللجنة إلغاء قانون المؤسسات المستقلة، وبالتالي إلغاء قانون موازنتها، بحيث يكون لدينا في العام 2014 موازنة واحدة، تتضمن كل إيرادات ونفقات جميع مؤسسات الدولة؛ الأمر الذي يساعد على تقليص النفقات الجارية للمؤسسات المستقلة، لأن وجود موازنتين يوحي وكأننا في بلدين لا بلد واحد، وهذا جزء محوري من الإصلاح المالي المطلوب.
ولو أراد النواب إحداث فرق، لطلبوا من الحكومة، بالإجماع، تثبيت حجم النفقات للعام المقبل، بحيث نضمن أن لا تنمو موازنة العام المقبل، ونضع حدا للإنفاق الذي لا ينسجم أبدا مع إمكانات البلد، ونبدأ بذلك الخطوة الأولى للتعايش مع الإمكانات المحلية، ونضع حجر الأساس في رحلة الاعتماد على الذات.
النواب ما يزالون يعتبرون مناقشة قانون الموازنة فرصة لمخاطبة قواعدهم الشعبية، والمطالبة بقائمة لا تنتهي من المشاريع؛ وهي بالمناسبة غير مثمرة لناحية دورها في حل مشاكل الناس الحقيقية؛ إذ ما نزال نشاهد يوميا مداخلات غير مفيدة، لا تُحرج الحكومة، وتضطرها لاتخاذ خطوات في المستقبل تُحدث تحولا في كيفية هندسة الموازنات العامة، والتي لا يعلم أحد كيف توزع فيها المخصصات المتوفرة بحصافة.
مع هذا النوع من النقاش، ستبقى مشاكلنا المالية تُرحّل من عام لآخر، ولن نلمس تغيرا جذريا في إعداد الموازنات، وستكون موازنة العام 2014 نسخة عن موازنة.
الغد